وأمّا أن الاختلاف في مولده (ص) يوجب عدم جواز ٱتخاذ يوم مولده عيداً .. فهو عجيب بل وأعجب من عجيب ، إذ ان معنى ذلك هو أن الاختلاف في يوم عرفة مثلاً ، أو في أول شهر رمضان ، أو في أول شوال ، بسبب الاختلاف في رؤية الهلال وعدمها يوجب عدم جواز الوقوف في عرفة ، وصوم أول الشهر وإفطاره .. كما أن الاختلاف الحاصل في أكثر المسائل الفقهية يوجب الحكم بالحرمة فيها .. ولا أدري لماذا نشأت الحرمة عن ذلك ، ولم ينشأ غيرها من الأحكام .. وكذلك الحال بالنسبة للاختلاف في ليلة القدر ، كذلك الاختلاف في أول ما نزل من القرآن .. فإنه ينبغي أن يوجب حرمة قراءة ما اختلف فيه في الصلاة ، وكذلك ما اختلف في كونه مكيّاً أو مدنيّاً أو في السفر ، أو الحضر ، أو أنه نزل فيه شأن فلان ، أو فلان الآخر ، وهكذا ..
أضف إلى ذلك .. أن من المعروف عند جميع الفقهاء ، والمتشرعة : أن ما يقع فيه الاختلاف ، ممّا كان في هذا القبيل ، يمكن أن يؤتى به برجاء إدراك الواقع ..
هذا كله .. عدا من أن القائل بجواز إقامة الاحتفالات لا يدَّعي أنَّها جزءٌ من الدين ، فلا بدَّ من مراعاة خصوصياتها لذلك .. بل هو يقول : إنّها من جملة الأشياء التي بقيت على الإباحة ، حيث لم يرد فيها نهي ، فمن شاء فعلها ، ومن شاء ، تركها ، من دون أن يكون كل من الفعل أو الترك ، ذا صفة تعبدية إطلاقا .. فتكون كسائر حركات الانسان وأفعاله .. التي لم يرد فيها ما يوجب ترجيحا ، او تقبيحا.
وأمّا الاستدلال .. بأن ذلك لم يرد به
عقل ولا شرع .. فقد تقم آنفا الجواب عنه وأنَّ من يدَّعي المنع هو الذي يحتاج الى الدليل .. وأما الآخرون ، فهم
لا يدَّعون أنَّ ذلك ـ اعني الاحتفالات والموالد ، ونحوها ـ من الشرع حتى يحتاجوا إلى الدليل المثبت لكونه قد ورد فيه تشريع بخصوصه .. كما أنهم لا يدَّعون كونها من الأحكام العقلية التي لا مفرَّ منها ولا محيص عنها ، بل هم يدَّعون عدم وجود