ولكنه ايضا استدلال باطل عندنا ، لأننا نعتقد : أن الإجماع بما هو هو لا حجِّيَّة فيه ، إلّا بسبب اشتماله على قول النبي المعصوم (ص) ، أو قول أحد الأئمة المعصومين ، أما دون ذلك فلا اعتبار به ، ولكن المشهور عند أولئك المستدلين بهذه الأدلة هو حجيَّته متى تحقق ، حتى ولو بعد عصر النبي (ص) ، ثم ما تلاه من أعصار فيكون حجة عليهم ... فراجع كتب الاصول. ١
قال السيوطي ما حاصله : « إنه له تخريج عمل المولد على أصل آخر ، وهو أنه (ص) قد عقّ عن نفسه بعد النبوة ، مع أنه قد ورد أنَّ جدَّه عبد المطلب عقَّ عنه في سابع ولادته ... فهذا يعني أنه (ص) أراد إظهار الشكر على إيجاد الله تعالى إيّاه رحمة للعالمين ، وتشريفاً لأمته ، فيستحب الحب لنا أيضا إظهاراً للشكر بمولده ، بالاجتماع وإطعام الطعام ، ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرّات ». ٢
ولكن هذا لا يصلح للاستدلال ايضا ، اذا لم يثبت ان ذلك كان منه (ص) فرحا وابتهاجا ، بما ذكر ، فان ذلك لا يعدو عن ان يكون استنباطا استحسانيا قد يوافق الواقع وقد لا يوافقه. هذا كله بالاضافة الى عدم ثبوت انه (ص) قد عق عن نفسه ٣ ، وعدم ثبوت ان عبد المطلب كان قد عقَّ عنه (ص) ... ٤ فلا بد من ثبوت ذلك بشكل قطعي ليتكلم في دلالته على المدعى او عدم دلالته.
مضافا الى ان العقيقة بنفسها مستحبة في الشرع ، وقد ثبت ذلك بالدليل القطعي ولكن لا يلزم من استحبابها ، والعمل بها جواز اقامة المراسم والمواسم في اوقات معينة وبكيفية خاصة ... حتى لو ثبت أنَّ ذلك كان فرحا واستبشاراً بمولده (ص) ، وإلّا لكرّرها بعد ذلك في كل عام ، كما يراد إثباته ، فلعل للاستبشار بالعقيقة مرَّةً واحدةً في العمر خصوصية عند الشارع ...
__________________
١ ـ راجع : المستصفى وفواتح الرحموت ، والاحكام ، إرشاد الفحول ، بحث الإجماع ...
٢ ـ راجع : رسالة حسن المقصد للسيوطي ، المطبوعة مع النعمة الكبرى على العالم ص ٩٠.
٣ ـ روى ذلك البيهقي في السنن الكبرى ج ٩ ص ٣٠٠.
٤ ـ الرواية تهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٢٨٣.