وعلى هذا الأساس ، فإننا نجد : أنَّ دعوة علي عليه السّلام أصحابه الى عدم سب أهل الشام ، ولكن بإمكانهم أن يصفوا أعمالهم ، معلِّلا ذلك بأنه أصوب في القول ، وأبلغ في العذر. ١
ان هذه الدعوة ... قد جائت منسجمة كل الانسجام مع تعاليم القرآن الكريم ، وتوجيهاته السامية ، في مجال الهداية الى سبيل الله ، والدعوة الى دينه ...
مع أنه عليه السّلام يستحلُّ دماءهم ، ويباشر قتلهم ... حتى لقد قيل : إنه عليه السّلام قد قتل منهم بنفسه عدة مئات في ليلة واحدة ، وهي المسماة بـ « ليلة الهرير ».
ولم يكن موقفه هذا ... وهو الالتزام بالكلمة المهذبة ، والعمل بالهدى القرآني الرائد ... خاصا بالذين حاربوه في صفين ، أو في الجمل ، والنهروان ، وإنما هو ينسحب على مجمل مواقفه في حياته ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى أبنائه الأئمة الميامين ، الطيبين الطاهرين.
كما ان من الواضح : أن أعظم مواجهة حادة تعرّض لها الأئمة عليهم السلام ، وأشدها إثارةً ، هي تلك التي تعرض لها سيد شباب أهل الجنة ، السبط الشهيد ، الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه ، حينما قرر أن يواجه الطاغوت ، وأن يقدِّم نفسه ، وأبناءه ، وأهل بيته ، وأصحابه ، في سبيل الله والمستضعفين ...
فنجده عليه السّلام حينما يريد أن يستدل لموقفه من يزيد الطاغية ، ومن نظام حكمه ، ذلك الموقف الذي يعرف بدقة نتائجه وآثاره ، نجده لا يذكر يزيد بن معاوية ، إلّا بما عرف وشاع عنه ، فيقول :
« ... إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا يختم ، ويزيد رجل شارب الخمور ، وقاتل النفس المحترمة ، مُعْلِنُ بالفِسق ، ومثلي لا يبايع مثله ... ». ٢
__________________
١ ـ راجع : نهج البلاغة ، بشرح محمد عبده / ج ٢ / ص ٢٢١ ، وتذكرة الخواص / ص ١٥٤ / وصفين لنصر ابن مزاحم / ص ١٠٣ / والأخبار الطوال / ص ١٦٥.
٢ ــــــ مقتل الحسين (ع) : للمقرَّم / ص ١٣٩عن مثير الأحزان لابن نما الحلي. والفتوح / لابن أعثم / ج ٥ / ص ١٨.