هذا ، مع أنّه لو سلّم لا يفيد ، إذ هذه الآلة لا تقتل بالثقل أصلا ـ ولذا لا تقتل لو سقطت على شيء ولم تنفذ فيه ـ وإنّما تقتل بالخرق والنفوذ ، وهو أنفذ من السهم وأخرق من السيف.
وأمّا الثاني : فبمنع دخولها في البندقة جدّا ، فإنّها شيء غير تلك الآلة معروف في الأزمنة السالفة ، وفي الحديث ـ كما نقله صاحب الكفاية (١) ـ : إنّها لا تصيد صيدا ولا تنكئ عدوّا ، ولكنّها تكسر السنّ وتفقأ العين. وهذه الآلة تصيد الصيد ، بل تقتل الفيل والبعير ، وتتلف العدوّ الكبير ، وكأنّها آلة تسمّى في هذا الزمان بالفارسية : پفك ، بالپاء الفارسيّة والفاء والكاف.
واستدلّ بعض مشايخنا المعاصرين قدسسره في شرحه على النافع (٢) بأصالة الحرمة ، الثابتة بالأخبار المتقدّمة في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة المذكورة في المقدّمة (٣) ، الدالّة على توقف حلّ الصيد والذبيحة على ثبوت التذكية ، التي هي من قبيل الأحكام الشرعيّة المتوقّفة على ثبوت آلة وكيفيّة.
وهو فاسد جدّا ، لأنّ الأخبار المتقدّمة إنّما تثبت أصالة عدم التذكية بالمعنى الثالث ، أي عدم حصول الأمور المعيّنة التي علم كونها تذكية بعد معرفتها ، لا بالمعنى الثاني الذي هو المفيد في ذلك المقام ، وهو الذي أشار إليه أخيرا : المتوقّفة على ثبوت آلة وكيفية. والتذكية بذلك المعنى أيضا وإن كان خلاف الأصل إلاّ أنّه زال بعد التسمية بقوله سبحانه ( وَما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٤) كما مرّ تحقيقه في المقدّمة.
__________________
(١) الكفاية : ٢٤٥. وأنكى والاسم النكاية ـ بالكسر ـ : إذا قتلت واثخنت ـ المصباح المنير : ٦٢٥.
(٢) وهو صاحب الرياض ٢ : ٢٦١.
(٣) في ص : ٢٧٧ و ٢٧٨.
(٤) الأنعام : ١١٩.