و قلنا باعتبار مرسلات الصحابة تلك التي لم يحضروها، كان القول باعتبار مرسلاتهم التي حضروها ــ لو سمّيت بالمرسل ــ أولى، كما لا يخفى.
و رابعا : إنّ الذي عرفناه في الفقرة السابقة هو انحصار طريق معرفة أسباب النزول بالأخذ من الصحابة، لأنّ أكثر الأسباب المعروفة للنزول إنّما هو مذكور عن طريقهم و مأخوذ من تفاسيرهم، لأنّهم وحدهم الحاضرون في الحوادث و المشاهدون للوحي و نزوله، فلو شدّدنا التمسّك بقواعد علم الرجال و مصطلح الحديث، و طبّقناها على روايات أسباب النزول، لأدّى ذلك إلى سدّ باب هذا العلم.
و بما أنّا أكّدنا في صدر هذا البحث على أهمّيّة المعرفة بأسباب النزول فإنّ من الواضح عدم صحّة هذا التشدّد، و فساد ما ذكر من عدم حجّيّة روايات الباب، و لا يكون ما ذكر في علمي الرجال و المصطلح مانعا من الأخذ بأقوال الصحابة في الباب.
الوجه الثاني : الاعتراض بالإرسال و الوقف على التابعين :
لا شكّ أنّ ما يرويه التابعيّ من دون رفع الى من فوقه من الصحابة أو وصله الى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يكون «رأيا» خاصّا له، فلا يكون حجّة من باب كونه حديثا نبويّا، لأنّه لا يدخل تحت عنوان «السنّة» و يسمّى ــ في مصطلح دراية الحديث ــ «بالموقوف» هذا ما لا بحث فيه.
و إنّما وقع البحث فيما يذكره التابعيّ ناقلا له عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من دون توسيط الصحابيّ، فقال قوم بحجّيّته بعد أن اعتبروه من «السنّة» و سمّوه «مرسلا» أيضا (١) .
__________________
(١) تقريب النواوي المطبوع مع التدريب (ص ١١٨).