فأما قوله تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (۱) فلايدل على ذلك أيضاً ، لان من عمل بخبر الواحد، فانما يعمل به اذا دله دلیل (۲) على وجوب العمل به . اما من الكتاب أو السنة أو
____________________________________________
(۲) قوله (فانما يعمل به اذا دله دليل يريد أن يبين انه لا تنافي بين ظاهر الآية وبين العمل بخبر الواحد ، بناءاً على أن الباء في ( به ) للسببية كما هو الاظهر. أو صلة علم .
وعلى الأول ظاهر الآية المنهى عن اتباع القرائن المفيدة للظن دون الادلة المفيدة للعلم ، ومن يعمل بخبر الواحد لا يجب عليه أن يجعل مناط العمل به حصول الظن بمضمونه عن القرائن .
وعلى الثاني ظاهر الآية النهي عن ارتكاب ما لا يعلم جواز ارتكابه جوازاً عقلياً واصلياً، أو جوازاً شرعياً واصلياً. ويرجع حينئذ الى ماذكرنا في بيان الحاجة من أن كل عامل أو تارك يجب عليه أن يعلم ان فعله أو تركه مما يجوز له بالجواز الشرعي الواصلي .
واذا دل الدليل على جواز العمل بخبر الواحد بشروط مقررة عند الاخباريين، وهم النافون للاجتهاد، بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي. أو بشروط مقررة عند الاصوليين، وهم المثبتون للاجتهاد. كان العمل به قفوا لما علم جواز قفوه وسيكرره المصنف في (فصل في أن القياس في الشرع لا يجوز استعماله) بقوله ( وللمخالف أن يقول ما قلنا بالقياس الا بالعلم وعن العلم الخ ) .
__________________
(١) الاسراء: ٣٦ .