ولا يترتّب على مخالفته عقاب ما يترتّب على ارتكاب الشبهة أحيانا من الهلاك المحتمل فيها. فالمطلوب في تلك الأخبار ترك التعرّض للهلاك المحتمل في ارتكاب الشبهة.
فإن كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الاخروي ـ كما لو كان التكليف متحقّقا فعلا في موارد الشبهة ، نظير الشبهة المحصورة ونحوها ، أو كان المكلّف قادرا على الفحص ، أو إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليهالسلام أو الطرق المنصوبة ، أو كانت الشبهة من العقائد والغوامض التي لم يرد الشارع التديّن به بغير علم وبصيرة ، بل نهى عن ذلك بقوله صلىاللهعليهوآله : (إنّ الله سكت عن أشياء ، لم يسكت عنها نسيانا ، فلا تتكلّفوها ، رحمة من الله لكم) (١) ـ فربّما يوقع تكلّف التديّن فيه بالاعتبارات العقليّة والشواذ النقليّة إلى العقاب ، بل إلى الخلود فيه إذا وقع التقصير في مقدّمات تحصيل المعرفة في تلك المسألة ، ففي هذه المقامات ونحوها يكون التوقّف لازما عقلا وشرعا من باب الإرشاد ، كأوامر الطبيب بترك المضار.
____________________________________
وأمّا كون الأمر فيها للقدر المشترك دون الوجوب ، فلأجل أن الشبهة في هذه الأخبار عامّة شاملة للشبهة الحكميّة والموضوعيّة ، وللشبهة الوجوبيّة والتحريميّة ، وكذلك الهلكة فيها عامّة شاملة للهلكة الدينيّة والدنيويّة بلا فرق في الدينيّة بين كونها عقابا ، أو غيره ، كما هو مبيّن في المتن.
ومن المعلوم هو عدم وجوب التوقّف والاجتناب عن ارتكاب الشبهة بالاتفاق فيما إذا كانت الشبهة وجوبيّة أو موضوعيّة ، فيلزم التخصيص بإخراج الشبهة الوجوبية والموضوعيّة عن هذه الأخبار لو كان المراد بالطلب هو الوجوب مع أنّها آبية عن التخصيص ، كما لا يخفى ، فلا بدّ من أن يكون الطلب فيها للقدر المشترك بين الوجوب والندب.
والخلاصة هو أن الأمر فيها يكون للطلب الإرشادي المشترك بين الوجوب والندب ، (ولا يترتّب على مخالفته عقاب ما يترتّب على ارتكاب الشبهة أحيانا من الهلاك المحتمل فيها) فيما إذا صادفت الحرمة الواقعيّة.
ثمّ إن كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الاخروي ، كان التوقّف واجبا عقلا
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٥٣ / ١٩٣ ، ورد الحديث فيه عن الإمام علي عليهالسلام. الوسائل ٢٧ : ١٧٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٨.