كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعيّة. لكن ليس كذلك ، فيجب نفيه.
وهذا الدليل لا يتمّ إلا ببيان مقدّمتين :
إحداهما : إنّه لا دلالة عليه شرعا بأن ينضبط طرق الاستدلالات الشرعيّة ويبيّن عدم دلالتها عليه.
والثانية : أن يبيّن أنّه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّت عليه إحدى تلك الدلائل ، ، لأنّه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، وهو تكليف بما لا يطاق ، ولو كانت عليه دلالة غير تلك الأدلّة لما كانت الدلالات منحصرة فيها ، لكنّا بينّا انحصار الأحكام في تلك الطرق ، وعند ذلك يتمّ كون ذلك دليلا على نفي الحكم» ، انتهى.
____________________________________
كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعيّة).
إذ كل حكم يتوقّف تنجّزه على الدليل الشرعي ، وذلك لقبح تنجّز التكليف من غير بيان ، لأنّه مستلزم للتكليف بما لا طريق للمكلّف إليه ، فإذا لم يكن هناك دليل على ثبوت حكم يجب نفيه.
ثمّ قال : (وهذا الدليل لا يتمّ إلّا ببيان مقدّمتين).
أي : إنّ التمسّك بالبراءة الأصلية إنّما يتمّ بعد تماميّة مقدّمتين :
(إحداهما : إنّه لا دلالة عليه شرعا) الكاشفة عن التكليف مبني على أن تكون طرق الاستدلالات الشرعيّة منضبطة ، ومنحصرة في الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل ، والاستصحاب ، ثمّ تبيّن عدم دلالة شيء منها على ثبوت التكليف.
(والثانية : أن يبين أنّه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّت عليه إحدى تلك الدلائل).
إذ لو لم يكن عليه دلالة أصلا ، لزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، وهو تكليف بما لا يطاق ، والتكليف بما لا يطاق قبيح عقلا ، كما أنّ العقاب عليه عقاب بلا بيان ، فيكون قبيحا عقلا ، فلا بدّ من الالتزام ـ حينئذ ـ بعدم التكليف ، لئلّا يلزم شيء منهما ، ولو كانت عليه دلالة غير تلك الأدلّة ، لما كانت أدلّة الشرع منحصرة فيها ، والتالي باطل ، لكونه على خلاف المفروض ، إذ قد فرضنا وبيّنا انحصار الأحكام في تلك الطرق ، فالمقدّم وهو دلالة غير تلك الأدلّة باطل أيضا ، وحينئذ تكون الأدلّة منحصرة في الطرق المذكورة ، فإذا لم تدلّ واحدة منها على ثبوت حكم كان ذلك دليلا على نفي ذلك الحكم. هذا تمام