ولعلّ هذه الآية أظهر من سابقتها ، لأنّ السابقة دلّت على أنه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه في ما أوحى الله سبحانه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه تدلّ على أنّه لا يجوز التزام ترك الفعل مع عدم وجوده فيما فصّل وإن لم يحكم بحرمته فيبطل وجوب الاحتياط أيضا ، إلّا إنّ دلالتها موهونة من جهة اخرى ، وهي أنّ ظاهر الموصول العموم ، فالتوبيخ على الالتزام بترك الشيء مع تفصيل جميع المحرّمات الواقعيّة وعدم كون المتروك منها ، ولا ريب أنّ اللازم من ذلك العلم بعدم كون المتروك محرّما واقعيّا ، فالتوبيخ في محلّه.
والإنصاف ما ذكرنا ، من أنّ الآيات المذكورة لا تنهض على إبطال القول بوجوب الاحتياط ، لأنّ غاية مدلول الدالّ منها هو عدم التكليف في ما لم يعلم خصوصا أو عموما بالعقل أو النقل. وهذا ممّا لا نزاع فيه لأحد. وإنّما أوجب الاحتياط من أوجبه بزعم قيام
____________________________________
احتمال حرمته ، فتدل الآية على حليّة مشكوك الحرمة مع عدم دليل على الحرمة.
(ولعلّ هذه الآية أظهر من سابقتها ... إلى آخره).
ووجه أظهريتها عن سابقتها هو أنّ الآية السابقة تدل على عدم تحريم شيء ما لم يوجد تحريمه في ما أوحى الله إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله.
وأمّا إثبات الإباحة ـ كما هو المقصود في المقام ـ فلا دلالة لها عليها ، وهذا بخلاف هذه الآية ، فإنّها تدل على الإباحة زائدا على عدم جواز الحكم بالحرمة ، إذ مفاد قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) هو الأمر بالأكل ، وهو ينافي وجوب الاحتياط بالترك.
(إلّا إنّ دلالتها موهونة من جهة اخرى).
أي : إنّ دلالة هذه الآية موهونة من جهة اخرى ، وهي : إنّ عدم كون الشيء ممّا فصّل تحريمه يوجب العلم بعدم الحرمة ، لأنّ الموصول وهو (ما) في قوله : (ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ظاهر في العموم ، فيكون مفاد الآية حينئذ : إنّ الله تعالى قد فصّل جميع المحرّمات الواقعية ، فإذا لم يكن محتمل الحرمة منها يحصل العلم بعدم كونه محرّما في الواقع فلا تدل على الإباحة الظاهرية كما هو المقصود.
(والإنصاف ما ذكرنا ، من أنّ الآيات المذكورة لا تنهض على إبطال القول بوجوب الاحتياط ... إلى آخره).
ولعلّ مراده بقوله ما ذكرنا هو ما تقدم منه حيث قال : ويرد على الكلّ.