الحذر عن الوقوع في مخالفة الواقع ، فكلّما حصل الأمن منه جاز العمل ، فلا فرق ـ حينئذ ـ بين خبر الفاسق المعتضد بالشهرة إذا حصل الاطمئنان بصدقه وبين الشهرة المجرّدة إذا حصل الاطمئنان بصدق مضمونها.
والحاصل أنّ الآية تدلّ على أنّ العمل يعتبر فيه التبيّن من دون مدخليّة لوجود خبر الفاسق وعدمه ، سواء قلنا بأنّ المراد منه العلم أو الاطمئنان أو مطلق الظنّ ، حتى أنّ من قال بأنّ خبر الفاسق يكفي فيه مجرّد الظنّ بمضمونه بحسن أو توثيق أو غيرهما من صفات الراوي فلازمه القول بدلالة الآية على حجّية مطلق الظنّ بالحكم الشرعي وإن لم يكن معه خبر أصلا ، فافهم واغتنم واستقم.
هذا ، ولكن لا يخفى أنّ حمل التبيّن على تحصيل مطلق الظنّ أو الاطمئنان يوجب خروج مورد المنطوق وهو الإخبار بالارتداد.
ومن جملة الآيات : قوله تعالى في سورة البراءة : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) دلّت على وجوب الحذر
____________________________________
يحصل الاطمئنان من خبر الفاسق بعد ضم خبر الفاسق الآخر إليه ، فيحصل الاطمئنان الذي هو مناط الحكم بالحجّية من المجموع.
(ولكن لا يخفى أنّ حمل التبيّن على تحصيل مطلق الظنّ أو الاطمئنان يوجب خروج مورد المنطوق وهو الإخبار بالارتداد) فلو حمل التبيّن على تحصيل مطلق الظنّ أو الاطمئنان منه لخرج مورد المنطوق عنه ، وقد تقدّم أنّ خروج المورد عن الدليل قبيح.
وبيان ذلك : إنّ المورد يكون هو الإخبار بالارتداد ، ولا يكفى فيه الظنّ مطلقا أي : ولو كان اطمئنانيّا ، بل لا بدّ فيه من العلم أو البيّنة العادلة. هذا مضافا إلى أنّ تحصيل الظنّ يكون خلاف ظاهر التبيّن ، بل هو ظاهر في تحصيل العلم كما تقدّم مرارا.
(ومن جملة الآيات : قوله تعالى في سورة البراءة : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)) والاستدلال بهذه الآية الشريفة يتوقف على امور :
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.