أبرح من هذا المكان حتى يؤذّن المؤذّن ، كناية عن دخول الوقت ، أو عبارة عن البيان النقلي ، ويخصّص العموم بغير المستقلّات ، أو يلتزم بوجوب التأكيد وعدم حسن العقاب إلّا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل وإن حسن الذمّ ، بناء على أنّ منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذمّ ، كما صرّح به البعض. وعلى أيّ تقدير فتدلّ على نفي العقاب قبل البيان.
____________________________________
وقوعه عند دخول الوقت.
والوجه الثاني : هو الالتزام ببقاء الآية على ظاهرها ، ثمّ القول بتخصيصها بما دلّ على اعتبار العقل ، فيكون معناها : وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا ، إلّا في ما حكم به العقل مستقلا ، كوجوب شكر المنعم مثلا ، وبذلك تكون النتيجة نفي التعذيب والعقاب عند انتفاء البيان مطلقا أي : بالنقل والعقل ، وهو المطلوب عند الاصولي ، وقد أشار إليه بقوله : (أو عبارة عن البيان النقلي ، ويخصّص العموم بغير المستقلّات).
والوجه الثالث : وهو أن تبقى الآية على ظاهرها كالوجه الثاني ، ولكن من دون التزام التخصيص فيها بأن يقال : إنّ الآية تنفي فعليّة العقاب عند انتفاء البيان النقلي ، فيكون المعنى هو أن فعليّة العذاب موقوفة على البيان النقلي ، فتنتفي بانتفائه ، ولا يكفي فيها البيان العقلي ، وإن كان كافيا في استحقاق العذاب ، وبذلك يكون حجّة كالنقل.
والحاصل هو الالتزام بوجوب تأكيد العقل بالنقل في فعليّة العذاب ، وإلّا فلا يكون العذاب فعليّا من باب اللطف والرحمة من الله تعالى ، وقد أشار إليه بقوله :
(أو يلتزم بوجوب التأكيد ... إلى آخره).
ويكون معنى الآية : إن الله تعالى لا يعذب ولا يعاقب فعلا بمجرد بيان من العقل ، بل يعذّب بعد تأييد العقل بالنقل ، وأمّا استحقاق العقاب فيكفي فيه مطلق البيان ، وعلى جميع التقادير الثلاثة تدل الآية على نفي العقاب قبل البيان المستلزم لنفي التكليف من دون البيان ، وهو المطلوب عند الاصولي ، وهذا ما تشترك فيه جميع الوجوه الثلاثة.
ولكنها تفترق من جهة أن الوجه الأول دليل على إثبات الملازمة بين العقل والشرع ، فيكون ردّا على القول بإنكارها.
والوجه الثاني دليل للقول بإنكار الملازمة ، فيكون ردّا على القول بإثباتها.
والوجه الثالث دليل لإثبات الملازمة في مرحلة استحقاق العقاب دون فعليّته ، فالعقل