وأفرط آخرون في طريق ردّ الخبر حتى أحالوا استعماله عقلا.
واقتصر آخرون ، فلم يروا العقل مانعا ، لكنّ الشرع لم يأذن في العمل به.
وكلّ هذه الأقوال منحرفة عن السنن ، والتوسّط أقرب ، فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب أو شذّ يجب اطّراحه» انتهى.
وهو ـ كما ترى ـ ينادي بأنّ علماء الشيعة قد يعملون بخبر المجروح كما يعملون بخبر العدل ، وليس المراد عملهم بخبر المجروح والعدل إذا أفاد العلم بصدقه ؛ لأنّ كلامه في الخبر الغير العلمي ، وهو الذي أحال قوم استعماله عقلا ومنعه آخرون شرعا.
ومنها : ما ذكره الشهيد في الذكرى ، والمفيد الثاني ولد شيخنا الطوسيّ ، من «أنّ
____________________________________
في المذهب ؛ لأنهم يعملون بخبر المجروح ، كما يعملون بخبر العادل ، لانجبار خبر الشخص المجروح بالشهرة عندهم.
(وأفرط آخرون في طريق ردّ الخبر) حتى قالوا باستحالة استعماله عقلا ، كابن قبة ، كما تقدّم في أوّل بحث الظن.
(واقتصر آخرون) حيث قالوا بعدم المانع عقلا في العمل بخبر الواحد(لكنّ الشرع لم يأذن في العمل به) ثمّ قال المحقّق قدسسره : وكل هذه الأقوال الأربعة منحرفة عن السّنن الحقّة ، ويجب الالتزام بالوسط ، وهو أقرب.
وقد أشار إليه بقوله : (فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحته عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب ، أو شذّ يجب اطّراحه. انتهى).
هذا الكلام من المحقّق قدسسره صريح في أنّ الإمامية كانوا يعملون بخبر المجروح ، كما يعملون بخبر الواحد العادل.
وقوله : (وليس المراد عملهم بخبر المجروح والعدل إذا أفاد العلم بصدقه).
دفع لما يتوهّم من أنّه لعلّ مراد المحقّق قدسسره هو أنّ الأصحاب كانوا يعملون بخبر الواحد عند حصول العلم لهم بصدقه فلا يكون دليلا على حجّية ما لا يفيد العلم.
وحاصل الدفع والجواب أنّه ليس مراد المحقّق عملهم بالخبر إذا أفاد العلم بصدقه ؛ وذلك لأن كلام المحقّق قدسسره يكون في الخبر غير العلمي ، إذ القول بالاستحالة عقلا ، كما عن ابن قبة ، والمنع شرعا ، كما عن السيّد المرتضى قدسسره مختص بالخبر غير العلمي.