فإن قال : فلِمَ جعل الجهر في بعض الصلوات ولا يجهر في بعض ؟
قيل : لأنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي صلوات تصلّى في أوقات مظلمة ، فوجب أن يجهر فيها ، لأن يمرَّ المارّ فيعلم أنّ هاهنا جماعة ، فإن أراد أن يصلّي صلّى ؛ لأنّه إن لم ير جماعة (١) تصلّي (٢) سمع وعلم ذلك من جهة السماع ، والصلاتان اللّتان لا يجهر فيهما فإنّما هما صلاة تكون بالنهار في أوقات مضيئة ، فهي تُعلم من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع.
فإن قال : فلِمَ جعلت الصلوات في هذه الأوقات ولم تقدّم ولم تؤخّر ؟
قيل : لأنّ الأوقات المشهورة المعلومة التي تعمّ أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة : غروب الشمس مشهور معرفتها (٣) فوجب عندها (٤) المغرب ، وسقوط الشفق مشهور فوجب عنده عشاء الآخرة ، وطلوع الفجر مشهور فوجب عنده الغداة ، وزوال الشمس ، وإيفاء الفيء مشهور معلوم فوجب عنده الظهر ، ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة ، فجعل وقتها الفراغ من الصلاة التي قبلها إلى أن يصير الظلّ من كلّ شيء أربعة أضعافه.
وعلّة اُخرى : إنّ الله عزوجل أحبّ أن يُبدأ (٥) في كلّ عمل أوّلاً
__________________
(١) في النسخ : إن أتى جماعة. وما أثبتناه من بحار الأنوار.
(٢) في «ج ، ل ، س ، ع ، ش» : يصلّي فيها.
(٣) كذا في النسخ ، وفي بحار الأنوار : «معروف» بدل «مشهور معرفتها».
(٤) كذا في النسخ ، وفي بحار الأنوار : «عنده» .
(٥) في المطبوع زيادة : الناس.