(وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (٤٥) رفيع خال بموت أهله (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) أي كفار مكة (فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) ما نزل بالمكذبين قبلهم (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) إخبارهم بالإهلاك وخراب الديار فيعتبروا (فَإِنَّها) أي القصة (تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦) تأكيد (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) بإنزال العذاب فأنجزه يوم بدر (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) من أيام الآخرة بسبب العذاب (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧) بالتاء والياء في الدنيا (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها) المراد أهلها (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٤٨) المرجع (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي أهل مكة (إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٤٩) بين الإنذار وأنا بشير للمؤمنين
____________________________________
جلهس بن جلاس ، وأقاموا بها زمانا ، ثم كفروا وعبدوا صنما ، وأرسل الله تعالى عليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه ، فأهلكهم الله وعطل بئرهم وخرب قصورهم ، والمتبادر من الآية العموم ، ولذا مشى عليه المفسر.
قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه تقديره : أغفلوا فلم يسيروا؟ فهو تحريض لهم على السير ، ليشاهدوا آثار من قبلهم من الكفار ليعتبروا ، وهم وإن كانوا سافروا ، ولم يسافروا للاعتبار والنظر ، فجعلوا كأن لم يسافروا ولم يروا. قوله : (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ) مفرع على قوله : (يَسِيرُوا) فهو منفي أيضا. قوله : (ما نزل بالمكذبين) مفعول يفعلون. قوله : (أي القصة) أي وما بعده تفسير له. قوله : (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) الخ ، أي فالخلل ليس في حواسهم الظاهرية ، وإنما هو في قلوبهم ، فترتب على ذلك انهماكهم في الشهوات وعدم إذعانهم للحق ، لأن عمى القلب هو الضار في الدين ، لما ورد في الحديث : «ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب». قوله : (تأكيد) أي قوله : (الَّتِي فِي الصُّدُورِ) تأكيد للقلوب ، لأن من المعلوم أن القلوب حالة في الصدور ، ومنه قولهم : سمعت بأذني ونظرت بعيني.
قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) أي يطلب كفار مكة تعجيل العذاب استهزاء حيث يقولون : أين ما توعدتنا به مع كوننا كذبناك كما كذبت الأمم الماضية رسلهم؟ قوله : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) تضمن ذلك نزول العذاب بهم في الدنيا ، وتضمن قوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) الخ ؛ عذابهم في الآخرة ، فهم يعذبون مرتين : في الدنيا بالقتل والأسر ، وفي الآخرة بدخول النار الدائم. قوله : (فأنجزه يوم بدر) أي فقتل منهم سبعون ، وأسر سبعون من صناديدهم. قوله : (كَأَلْفِ سَنَةٍ) اقتصر على الألف ، لأنه منتهى العدد بلا تكرار ، وهو كناية عن طول العذاب وعدم تناهيه. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أتى هنا بالواو لمناسبة ما قبلها في قوله : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً) الخ ، بخلاف الأولى ، فأتى بالفاء لمناسبة ما قبلها في قوله : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) فأتى في كل بما يناسبه.
قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي الموصوفون باستعجال العذاب ، وقد جرت عادة الله في كتابه ، أنه يخاطب المؤمنين : بيا أيها الذين آمنوا ، وكفار مكة : بيا أيها الناس. قوله : (وأنا بشير للمؤمنين) قدره