عُمُراً) سنينا أربعين (مِنْ قَبْلِهِ) لا أحدثكم بشيء (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦) أنه ليس من قبلي (فَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك إليه (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) القرآن (إِنَّهُ) أي الشأن (لا يُفْلِحُ) يسعد (الْمُجْرِمُونَ) (١٧) المشركون (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (ما لا يَضُرُّهُمْ) إن لم يعبدوه (وَلا يَنْفَعُهُمْ) إن عبدوه وهو الأصنام (وَيَقُولُونَ) عنها (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ) لهم (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) تخبرونه (بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفى عليه شيء (سُبْحانَهُ) تنزيها له (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٨) معه (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) على دين واحد وهو الإسلام من لدن آدم إلى نوح وقيل من عهد إبراهيم إلى عمر بن لحي (فَاخْتَلَفُوا) بأن ثبت بعض وكفر
____________________________________
قوله : (سنينا) منصوب بفتحة ظاهرة ، وقد مر المفسر على طريقة من يجعله مثل حين. ومنه حديث : «اللهم اجعلنا عليهم سنينا كسنين يوسف» في احدى الروايتين. قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أعميتم عن الحق ، فلا تعقلونه. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (بنسبة الشريك إليه) أشار المفسر إلى أن الخطاب متوجه لهم. والمعنى على ذلك : أنكم افتريتم على الله الكذب ، فزعمتم أن له شريكا والله منزه عنه ، وثبت عندكم صدقي بالقرآن ، فكذبتم بآياته. قوله : (وَيَعْبُدُونَ) عطف على ما تقدم ، عطف قصة على قصة ، بيان لقبائحهم ، وفي الحقيقة عبادتهم غير الله ، تسبب عنه ما تقدم من افترائهم وتكذيبهم بالآيات.
قوله : (ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) ما اسم موصول أو نكرة موصوفة ، ونفي الضر والنفع هنا باعتبار ذواتهم وإثباتهما في قوله تعالى : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) باعتبار السبب. قوله : (وهو الأصنام) بيان لما. قوله : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) قال أهل المعاني : توهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله من عبادتهم إياه. وقالوا : لسنا بأهل أن نعبد الله ولكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام ، فإنها تكون شافعة لنا عند الله ، قال تعالى إخبارا عنهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى). إن قلت إنهم ينكرون البعث ففي أي وقت يشفعون لهم على زعمهم؟ أجيب : بأنهم يرجون شفاعتهم في الدنيا في إصلاح معايشهم. قوله : (بِما لا يَعْلَمُ) المقصود نفي وجود الشريك بنفي لازمه ، لأن علمه تعالى محيط بكل شيء ، فلو كان موجودا لعلمه الله ، وحيث كان غير معلوم لله وجب أن لا يكون موجودا ، وهذا مثل مشهور ، فإن الإنسان إذا أراد نفي شيء وقع منه ، يقول ما علم الله ذلك مني ، أي لم يحصل ذلك من قط. قوله : (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) حال من العائد المحذوف في يعلم. قوله : (استفهام انكار) أي بمعنى النفي. قوله : (إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) أي متفقين على الحق والتوحيد من غير اختلاف. قوله : (من لدن آدم إلى نوح) إلخ. ويجمع بينهما بأن عبادة الله وحده ، استمرت من آدم إلى نوح ، فظهر في أمة نوح من يعبد غير الله ، قال تعالى في شأنهم (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً) الآية ، فأخذوا بالطوفان ، واستمر من يعبد الله وحده إلى زمن إبراهيم ، فظهر في أمته من يعبد غير الله ، فأهلكوا بالبعوض ، واستمر من يعبد الله وحده ، إلى أن ظهر عمرو بن لحي ، وهو أول من بحر البحائر ، وسيب السوائب في الجاهلية ، إلى أن ظهر سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم.