يَشْكُرُونَ) (٦٠) (وَما تَكُونُ) يا محمد (فِي شَأْنٍ) أمر (وَما تَتْلُوا مِنْهُ) أي من الشأن أو الله (مِنْ قُرْآنٍ) أنزله عليك (وَلا تَعْمَلُونَ) خاطبه وأمته (مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) رقباء (إِذْ تُفِيضُونَ) تأخذون (فِيهِ) أي العمل (وَما يَعْزُبُ) يغيب (عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ) وزن (ذَرَّةٍ) أصغر نملة (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١) بين هو اللوح المحفوظ (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) في الآخرة هم (الَّذِينَ
____________________________________
قوله : (وَما تَتْلُوا مِنْهُ) الضمير إما عائد على الشأن أو على الله ، كما قال المفسر. فعلى الأول تكون من للتعليل ، وعلى الثاني تكون ابتدائية ، وقوله : (مِنْ قُرْآنٍ) من صلة ، والمعنى وما تتلو من أجل هذا الشأن قرآنا ، أو وما تتلوا قرآنا مبتدأ وصادر من الله. قوله : (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) استثناء من أعم الأحوال ، والمعنى ما تتلبسون بشيء من هذه الثلاثة في حال من الأحوال ، إلا في حال كوننا رقباء مطلعين عليه حافظين له. إذا علمت ذلك ، فكان المناسب للمفسر أن يعيد الضمير في فيه لكل من الثلاثة ، وقد يجاب بأنه أعاده على الفعل لعمومه وشموله لباقي الثلاثة.
قوله : (إِذْ تُفِيضُونَ) ظرف لقوله شهودا. قوله : (وَما يَعْزُبُ) بضم الزاي وكسرها ، قراءتان سبعيتان. قوله : (عَنْ رَبِّكَ) أي عن علمه. قوله : (أصغر نملة) وقيل هو الهباء ، وقيل أصغر بعوضة. قوله : (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي في سائر الموجودات ، وعبر عنه في السماء والأرض لمشاهدة الخلق لهما. واعلم أن عالم الملك ما يشاهده الخلق ، كالأرض وما حوته ، وما ظهر من السماء ، وعالم الملكوت ما لا يشاهد ، كما فوق السماء من العرش والكرسي والملائكة وغير ذلك ، وعالم الجبروت هو عالم الأسرار ، وعالم العزة هو ما استأثر الله بعلمه ، كعلم ذاته وصفاته ومراداته.
قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) بالرفع والنصب ، قراءتان سبعيتان ، فالرفع إما على الابتداء والخبر ، أو على أن (لا) عاملة عمل ليس ، والخبر على كلا الإعرابين. قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). فتكون الجملة مستأنفة منقطعة عما قبلها ، والنصب على أنها عاملة عمل إن ، لأن أصغر وأكبر شبيهان بالمضاف ، تعلق بهما شيء من تمام معناهما ، وهو العمل في الجار والمجرور ، وهاتان القراءتان هنا فقط ، وأما في سبأ فبالرفع باتفاق السبعة.
قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) الاستثناء منقطع ، والمعنى لكن جميع الأشياء في كتاب مبين ، فهو استدراج على ما يتوهم نفيه لأن قوله لا يعزب عن ربك الخ. ربما يتوهم منه أنه لم يحط بها غير علم الله ، فدفع ذلك بقوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي لكن جميع الأشياء مثبتة في كتاب مبين أيضا ، ولا يصح أن يكون متصلا ، لأنه يصير المعنى لا يغيب عن علمه شيء في حال من الأحوال ، إلا في حال كونه مثبتا في كتاب مبين فيغيب ، فيفيد أن ما في الكتاب غائب عن علم الله وذلك باطل ، وهذا الإشكال لا يرد إلا على جعل قوله ولا أصغر ولا أكبر ، معطوفا على مثقال ، وأما إن جعل مستأنفا كما تقرر ، فلا يرد الإشكال فتأمل.
قوله : (أَلا) أداة تنبيه ، يؤتى بها ليتنبه السامع لما بعدها ، ويعتني بها لعظمه. قوله : (أَوْلِياءَ اللهِ) جمع ولي من الولاء ، وهو العز والنصر ، سموا بذلك لأنهم هم المنصورون بالله المعزوزون به ، لا يطمعون في شيء سوى القرب منه ، وولي فعيل ، إما بمعنى فاعل ، أي متولي خدمة ربه بكل ما أمكنه ، بروحه