القرآن (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) في الفصاحة والبلاغة (مُفْتَرَياتٍ) فإنكم عربيون فصحاء مثلي. تحداهم بها أولا ، ثم بسورة (وَادْعُوا) للمعاونة على ذلك (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٣) في أنه افتراء (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي من دعوتموهم للمعاونة (فَاعْلَمُوا) خطاب للمشركين (أَنَّما أُنْزِلَ) ملتبسا (بِعِلْمِ اللهِ) وليس افتراء عليه (وَأَنْ) مخففة أي أنه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤) بعد هذه الحجة القاطعة
____________________________________
قوله : (أَمْ يَقُولُونَ أَمْ) منقطعة بمعنى بل والهمزة ، والإضراب انتقالي ، والهمزة للتوبيخ والإنكار والتعجب. قوله : (افْتَراهُ) أي اختلقه من عند نفسه. قوله : (قُلْ فَأْتُوا) إلخ رد لما قالوه ، والمعنى أنكم عربيون مثلي ، فائتوا بكلام مثل هذا الكلام الذي جئت به ، فإنكم تقدرون على ذلك ، بل أنتم أقدر مني ، لممارستكم الأشعار والوقائع. قوله : (مِثْلِهِ) نعت لسور ، وإن كان بلفظ الإفراد ، فإنه يوصف به : المثنى والجمع والمذكر والمؤنث. قوله : (تحداهم بها أولا) أي بعد أن تحداهم بجميع القرآن كما في سورة الإسراء ، قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) الآية ، ثم تحداهم بعشر سور كما هنا ، ثم بسورة كما في البقرة ويونس فالإسراء قبل هود نزولا ثم هود ثم يونس ثم البقرة. قوله : (على) أي الإتيان. قوله : (أي غيره) أي من الأصنام أو من جميع المخلوقات.
قوله : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي أيها المشركون ، وقوله : (أي من دعوتموهم) تفسير للواو في (يَسْتَجِيبُوا). قوله : (بِعِلْمِ اللهِ) أي فكما أن علمه لا يشابهه علم ، كذلك كلامه لا يشابه كلام ، لأن الكلام على حسب علم المتكلم ، فكلما كان المتكلم متسع العلم ، كان كلامه فصيحا بليغا ، ولا أوسع من علم الله ، لأنه أحاط بكل شيء علما. قوله : (مخففة) أي واسمها ضمير الشأن. قوله : (أي اسلموا) أي فهو استفهام فيه معنى الطلب ، لزوال العذر المانع من ذلك.
قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) اختلف في سبب نزولها ، فقيل في اليهود والنصارى ، وقيل في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع رسول الله الغنائم ، لأنهم كانوا لا يرجون ثواب الآخرة ، وقيل في المرائين ، والحمل على العموم أولى ، فيندرج فيه الكافر والمنافق والمؤمن ، الذي يأتي بالطاعات على وجه الرياء والسمعة. قوله : (وَزِينَتَها) أي ما يتزين به فيها ، من الصحة والأمن والسعة والرياسة ، وغير ذلك. قوله : (بأن أصروا على الشرك) هذا شامل للقولين المتقدمين. قوله : (وقيل هي في المرائين) أي ومعنى قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) أي ابتداء ، ثم بعد استيفاء ما عليه يخرج منها ، ويدل على أن له هذا الوعيد الشديد ما روي ، يقول الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ، وهذا القول اختاره البيضاوي لحديث : «يقال لأهل الرياء : حججتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك ، فقد قيل ذلك ، ثم قال : إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار» رواه أبو هريرة ثم بكى بكاء شديدا ، ثم قال : صدق رسول الله (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) إلخ.