فِي الْفُلْكِ) السفن (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) فيه التفات عن الخطاب (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) لينة (وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) شديدة الهبوب تكسر كل شيء (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) أي أهلكوا (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الدعاء (لَئِنْ) لام قسم (أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) الأهوال (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢٢) الموحدين (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) بالشرك (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ) ظلمكم (عَلى أَنْفُسِكُمْ) لأن إثمه عليها هو (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تمتعون فيها قليلا (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٣) فنجازيكم عليه وفي قراءة بنصب متاع أي تتمتعون (إِنَّما مَثَلُ) صفة (الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ) مطر (أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ) بسببه (نَباتُ الْأَرْضِ) واشتبك بعضه ببعض (مِمَّا
____________________________________
الفلك المشحون مستعمل مفردا. قوله : (فيه التفات عن الخطاب) أي إلى الغيبة ، وحكمته زيادة التقبيح على الكفار ، لأن شأنهم عدم شكر النعمة ، وأما الخطاب أولا فهو لكل شخص مسلم أو كافر بتعداد النعم عليهم. قوله : (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) أي يحصل المقصود بلطف.
قوله : (وَفَرِحُوا بِها) الجملة حالية من ضمير (بِهِمْ) وقد مقدرة. قوله : (وَظَنُّوا) أي أيقنوا. قوله : (أي اهلكوا) أي ظنوا الهلاك ، لقيام الأسباب بهم. قوله : (مُخْلِصِينَ) أي غير مشركين معه شيئا من آلهتهم. قوله : (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) هذا مقول لقول محذوف بيان لمحصل الدعاء والتقدير قائلين : وعزتك وجلالك لئن أنجيتنا. قوله : (مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي على نعمائك الموحدين لك. قوله : (إِذا هُمْ يَبْغُونَ) إذ للمفاجأة ، والمعنى فحين انجاهم فاجؤوا الفساد وبادروا إليه. قوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) إما وصف كاشف ، أو احترز به عن البغي بحق ، كاستيلاء المسلمين على الكفار ، وتخريب دورهم ، وإتلاف أموالهم ، كما فعل رسول الله بقريظة. قوله : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) الكلام على حذف مضاف ، أي إثم بغيكم كما يشير له المفسر بقوله : (لأن إثمه عليها) والمعنى أن وبال بغيكم راجع لأنفسكم ، لا يضر الله منه شيء ، كما لا تنفعه طاعة المطيع ، قال تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) وقال العارف : ماذا يضرك وهو عاص ، أو يفيدك وهو طائع ، فإشراك المشرك لا يثبت لله شريكا ، بل هو محض افتراء وكذب ، ووباله على صاحبه ، وتوحيد الموحد لا يثبت لله وحدة ، بل هي ثابتة أزلا وأبدا ، بل معنى وحدت ربي ، قامت وحدته بقلبي وامتزجت بلبي ، وليس المعنى أنه أثبت له وحدة لم تكن ، فإن هذا هو الكفر بعينه ، وفي ذلك قال العارف :
ما وحد الواحد من واحد |
|
إذ كل من وحده جاحد |
قوله : (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) قدر المفسر هو إشارة إلى أنه بالرفع خبر لمحذوف. قوله : (تمتعون فيها قليلا) أي زمنا قليلا. قوله : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) أي لا مفر لهم من ذلك ، وإنما إمهالهم وتأخيرهم من حلمه سبحانه وتعالى. قوله : (فنجازيكم عليه) أي على ما عملتم من خير وشر. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (بنصب متاع) أي مفعول لفعل محذوف ، قدره المفسر بقوله أي تمتعون. قوله : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) بيان لشأن الدنيا ، وأن مدتها قصيرة ، والمعنى صفتها في سرعة انقضائها ، وكونكم متعززين بها كماء إلخ. قوله : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) حكمة تشبيهها بماء السماء دون ماء