مثل ذلك التسخير (سَخَّرْناها لَكُمْ) بأن تنحر وتركب وإلا لم تطق (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣٦) إنعامي عليكم (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) أي لا يرفعان إليه (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) أي يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٣٧) أي الموحدين (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) غوائل المشركين (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) في أمانته (كَفُورٍ) (٣٨) لنعمته وهم المشركون ، المعنى أنه يعاقبهم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) أي المؤمنين أن يقاتلوا وهذه أول آية نزلت في الجهاد (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (ظُلِمُوا) بظلم الكافرين إياهم (وَإِنَّ اللهَ عَلى
____________________________________
قوله : (أي في مثل التسخير) أي المفهوم من قوله صواف. قوله : (وإلا لم تطق) أي وإلا تسخرها لم يقدر على نحرها وركوبها. قوله : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) رد لما كانت عليه المشركون من تشريح اللحم ، وجعله حول الكعبة ، وتضميخها بالدم ، تقربا إلى الله تعالى. قوله : (أي لا يرفعان إليه) أي وإنما يرفع إليه العمل الصالح ومنه التصدق. قوله : (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أي بأن تقولوا : الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا. قوله : (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) أي برضا الله والدرجات الرفيعة. قوله : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) مناسبة هذه الآية لما قبلها ، أن الله تعالى لما ذكر جملة من أفعال الحج والترغيب فيه ، وذكر أن الكفار يصدون الناس عن المسجد الحرام ، كأن قائلا يقول : بأي شيء تتمكن الناس من الحج والهدايا مع وجود المانع ، فأنزل الله هذه الآية بشارة للمؤمنين ، وأنهم يتمكنون من المسجد الحرام ، ويدفع عنهم أعداءهم ، وهذه الآية وإن كان سبب نزولها ما ذكر ، إلا أن العبرة بعموم اللفظ ، ولذا حذف المعمول ليؤذن بالعموم ، فالمؤمنون مآلهم للعز والنصر والفوز الأكبر ، وإن امتحنوا ببلاء أو غيره ، فذلك لتكفير سيئاتهم ورفع درجاتهم ، فهم بخير على كل حال. قوله : (غوائل المشركين) قدره إشارة إلى أن المفعول محذوف لدلالة المقام عليه ، والغوائل جمع غائلة ، وهي ما يصيب الإنسان من المكروه. قوله : (في أمانته) مفرد مضاف أي أماناته ، وهي الأوامر والنواهي. قوله : (وهم المشركون) أي لأنهم خائنون كافرون في كل وقت ، وأما العصاة من المؤمنين فليسوا كذلك ، وهذا وعيد للكفار إثر وعيد المؤمنين ، لأن شأن الخائن يجازى على خيانته بالخزي والعقاب.
قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) أي يريدون القتال ، والمأذون فيه محذوف قدره المفسر بقوله : (أن يقاتلوا) وفي قراءة سبعية أيضا يقاتلون بالبناء للمفعول. قوله : (وهذه أول آية نزلت في الجهاد) أي بعد أن نهي عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نيف وسبعين آية ؛ وذلك أن مشركي مكة ، كانوا يؤذون أصحاب رسول الله ويعذبونهم ، فيشكون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقول لهم : اصبروا فطني لم أؤمر بقتال ، حتى هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله هذه الآية ، فحينئذ كان يوم عيد عند المسلمين. قوله : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) جملة مستأنفة ، سيقت لوعد المؤمنين بالنصر على طريق الكناية. قوله : (هم) (الذين) قدر المفسر الضمير إشارة إلى أن الموصول خبر لمحذوف ، وهو أحد أوجه في إعرابه ، ويصح أن يكون نعتا أو بيانا أو بدلا من الذين الأول ، أو منصوبا على المدح.