(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) أي جماعة مؤمنة سلفت قبلكم (جَعَلْنا مَنْسَكاً) بفتح السين مصدر وبكسرها اسم مكان أي ذبحا قربانا أو مكانه (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) عند ذبحها (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) انقادوا (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (٣٤) المطيعين المتواضعين (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ) خافت (قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) من البلايا (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣٥) يتصدقون (وَالْبُدْنَ) جمع بدنة وهي الإبل (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أعلام دينه (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) نفع في الدنيا كما تقدم وأجر في العقبى (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) عند نحرها (صَوافَ) قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) سقطت إلى الأرض بعد النحر وهو وقت الأكل منها (فَكُلُوا مِنْها) إن شئتم (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ) الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يتعرض (وَالْمُعْتَرَّ) السائل أو المتعرض (كَذلِكَ) أي
____________________________________
قوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله. قوله : (مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي عند ذبحها ونحرها. قوله : (انقادوا) أي خضعوا وفوضوا أمورهم إليه ورضوا بأحكامه. قوله : (المتواضعين) هذا أصل معناه ، لأن الإخبات نزول الخبت ، وهو المكان المنخفض. قوله : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) أي بأنهم سمعوا الذكر من غيرهم ، أو ذكروا بأنفسهم. قوله : (من البلايا) أي المحن بأن لا يجزعوا عند نزولها بهم. قوله : (يتصدقون) أي صدقة التطوع ، ويعلم منه أنهم يخرجون الزكاة الواجبة بالأولى. قوله : (وهي الإبل) أي فالبدن عند الشافعي خاصة بالإبل ، وقال أبو حنيفة : البدن الإبل والبقر ، وعلى كل حال ، فالبقر من شعائر الله أيضا. قوله : (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) الجملة إما حالية أو مستأنفة.
قوله : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) أي بأن تقولوا عند ذبحها : بسم الله والله أكبر ، اللهم إن هذا منك وإليك. قوله : (قائمة) المناسب أن يقول قائمات. قوله : (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) كناية عن الموت وجمع الجنوب ، مع أن البعير إذا سقط عند النحر ، إنما يسقط على أحد جنبيه ، لأن ذلك الجمع في مقابلة جمع البدن. قوله : (سقطت إلى الأرض) أي فالوجوب السقوط ، يقال وجبت الشمس أي سقطت. قوله : (فَكُلُوا مِنْها) أي إن كانت مستحبة باتفاق ، وكذا إن كانت واجبة عند مالك ، إلا في جزاء الصيد وفدية الأذى والنذر إذا قصد به المساكين ، ولا يأكل من الواجبة عند الشافعي. قوله : (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ) أي المستغني بما أعطيه ، المتعفف عما في أيدي الناس ، الذي لا التفات له إليهم ، الذي قال الله في حق من اتصف بصفته (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه :
أمتّ مطامعي فأرحت نفسي |
|
فإن النفس ما طمعت تهون |
وأحييت القنوع وكان ميتا |
|
ففي إحيائه عرضي مصون |
إذا طمع يحل بقلب شخص |
|
علته مهانة وعلاه هون |