قال تعالى (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها (أَهْلَكْناها) بتكذيبها ما أتاها من الآيات (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) (٦)؟ لا (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء (إِلَيْهِمْ) لا ملائكة (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) العلماء بالتوراة والإنجيل (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧) ذلك فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد (وَما جَعَلْناهُمْ) أي الرسل (جَسَداً) بمعنى أجسادا (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) بل يأكلونه (وَما كانُوا خالِدِينَ) (٨) في الدنيا (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) بإنجائهم (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ) أي المصدقين لهم (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (٩) المكذبين لهم (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) يا معشر قريش (كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) لأنه بلغتكم
____________________________________
الموزون قصدا ، بل ما هو أعم. قوله : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) جواب شراط مقدر ، كأنه قيل : وإن لم يكن كما قلنا ، بل كان رسولا كما يزعم فليأتنا الخ. قوله : (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) صفة لمصدر محذوف ، والتقدير إتيانا كائنا مثل إرسال الأولين.
قوله : (مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ) زائدة في الفاعل. قوله : (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (وَما أَرْسَلْنا) رد لقولهم (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ). قوله : يوحى إليهم أي يأتيهم الوحي بالشرائع والأحكام ، والمعنى ما أرسلنا إلى الأمم قبل إرسالك لأمتك ، إلا رجالا من أفراد جنسك متأهلين للإرسال. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أي المطلعين على أحوال الرسل الماضية ، فإنهم يخبرونكم بحقيقة الحال. قوله : (العلماء بالتوراة والإنجيل) إنما أحالهم عليهم ، لأنهم كانوا يرسلون للمشركين ، أن ابقوا على ما أنتم عليه من التكذيب ونحن معكم ، فهم مشتركون في العداوة لرسول الله وأصحابه ، فلا يكذبونهم فيما هم فيه. قوله : (من تصديق المؤمنين) المصدر مضاف لمفعوله ، والفاعل محذوف ، أي أقرب من تصديقكم المؤمنين. والمعنى إذا أخبركم المؤمنون بحال محمد ، وحال الرسل المتقدمين ، وأخبركم أهل الكتاب بذلك ، صدقتم أهل الكتاب دون المؤمنين ، لألفتكم أهل الكتاب وعداوتكم للمؤمنين.
قوله : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) رد لقولهم (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) والمعنى لم نجعلهم ملائكة ، بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام. قوله : (وَما كانُوا خالِدِينَ) أي ماكثين على سبيل الخلود في الدنيا ، بل يموتون كغيرهم. قوله : (صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) أي بإهلاك أعدائهم. قوله : (بإنجائهم) محمول على الرسل الذين أمروا بالجهاد ، فلا يرد من قتل من الرسل ، فإنهم لم يؤمروا بالجهاد. قوله : (وَمَنْ نَشاءُ) أي المؤمنين الذين اتبعوهم. وقد وقع ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن كبراء أصحابه الذين حضروا مغازيه ، لم يموتوا في حروبه ، بل بقوا بعده ومهدوا دينه.
قوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً) كلام مستأنف قصد به التبكيت عليهم. والمعنى : كيف تعرضون عن كتاب فيه شرفكم وعزكم ، لأنه بلسانكم وعلى لغتكم ، فكان بمقتضى الحمية والعقل ، أن تعظموا هذا الكتاب ، وهذا النبي الذي جاء به ، وتكونوا أول مؤمن به ، فإعراضكم عنه دليل على عدم عقلكم.