(لاهِيَةً) غافلة (قُلُوبُهُمْ) عن معناه (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أي الكلام (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل من واو وأسروا النجوى (هَلْ هذا) أي محمد (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فما يأتي به سحر (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) تتبعونه (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) (٣) تعلمون أنه سحر (قالَ) لهم (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ) كائنا (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ) لما أسروه (الْعَلِيمُ) (٤) به (بَلْ) للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة (قالُوا) فيما أتى به من القرآن هو (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أخلاط رآها في النوم (بَلِ افْتَراهُ) اختلقه (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) فما أتى به شعر (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٥) كالناقة والعصا واليد
____________________________________
الخ. قوله : (مِنْ رَبِّهِمْ) الجار والمجرور متعلق بيأتيهم. قوله : (أي لفظ قرآن) دفع بذلك ما يقال : كيف وصف الذكر بالحدوث ، مع أن المراد به القرآن وهو قديم؟ فأجاب : بأن وصفه بالحدوث باعتبار ألفاظه المنزلة علينا ، وأما باعتبار المدلول ، وهو الوصف القائم بذاته تعالى فهو قديم ، وأما ما دلت عليه الألفاظ الحادثة ، فمنها ما هو قديم ، كمدلول آية الكرسي والصمدية ، ومنها ما هو حادث ، كمدلول القصص وأخبار المتقدمين ، ومنها ما هو مستحيل ، كمدلول ما اتخذ الله من ولد.
قوله : (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) الجملة حالية من فاعل (اسْتَمَعُوهُ) ، وكذا قوله : (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) والمعنى ما يقرأ عليهم القرآن ، إلا استمعوه في حال استهزائهم ، وكون قلوبهم غافلة عن معناه ، فلا يسمعونه سماع تدبر وقبول ، وكل آية وردت في الكفار ، جرت بذيلها على عصاة الأمة ، ففي هذه الآية ، تحذير لمن يستمع القرآن في حال لهوه ولعبه ، وأقبح منه من يطرب سماعه ، من حيث اشتماله على الأنغام المعروفة ، لا من حيث بلاغته ومواعظه وأحكامه وكونه من عند الله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قوله : (بدل من واو وأسروا النجوى) أشار بذلك إلى أن أسر فعل ماض ، والواو فاعله ، و (النَّجْوَى) مفعوله ، و (الَّذِينَ) بدل ، وهذه إحدى طريقتين للنحويين في الفعل الذي لحقته العلامة وأسند للظاهر ، والطريقة الثانية : أن الواو حرف علامة ، و (الَّذِينَ) فاعل وتسمى بلغة أكلوني البراغيث ، ولما كانت ضعيفة ، لا ينبغي حمل الآية عليها ، أعرض عنها المفسر.
قوله : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) بدل من (النَّجْوَى) مفسر لها ، أي فكانوا يتناجون بذلك سرا بينهم ، ثم يشيع كل واحد منهم مقالته ليضل غيره. قوله : (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) أي تحضرونه وتقبلونه. قوله : (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) الجملة حالية من فاعل تأتون. قوله : (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أشار المفسر إلى أنه حال من القول ، أي يعلم القول ، حال كون القول كائنا في السماء والأرض. قوله : (للانتقال من غرض إلى آخر) أي فلا تقع بل في القرآن ، إلا للانتقال لا للإبطال ، لأنه يكون إضرابا عن الكلام السابق وإعراضا عنه ، لكونه صدر على وجه الغلط ، وتنزه الله عنه ، خلافا لمن يقول : إنها تأتي للإبطال ، واستدل بقوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ، وقوله : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) ولا دليل في ذلك ، لأن بل فيهما للانتقال من الإخبار بقولهم ، إلى الإخبار بالواقع ، فتأمل. قوله : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله : (هو) ، والجملة مقول القول. قوله : (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) أي يأتي بكلام يخيل للسامع معاني لا حقيقة لها ، وليس المراد بالشعر هنا ، خصوص الكلام المقفى