(أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٠) فتؤمنون به (وَكَمْ قَصَمْنا) أهلكنا (مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها (كانَتْ ظالِمَةً) كافرة (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) (١١) (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) أي شعر أهل القرية بالإهلاك (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) (١٢) يهربون مسرعين فقالت لهم الملائكة استهزاء (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ) نعمتم (فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (١٣) شيئا من دنياكم على العادة (قالُوا يا) للتنبيه (وَيْلَنا) هلاكنا (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (١٤) بالكفر (فَما زالَتْ تِلْكَ) الكلمات (دَعْواهُمْ) يدعون بها ويرددونها (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) أي كالزرع المحصود بالمناجل بأن قتلوا بالسيف
____________________________________
قوله : (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي الثناء عليكم بالجميل ، أو شرفكم ومواعظكم. قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير أجهلتم فلا تعقلون أن الأمر كذلك؟
قوله : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كَمْ) خبرية مفعول مقدم لقصمنا ، و (مِنْ قَرْيَةٍ) بيان لكم. قوله : (أي أهلها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، والمقصود من هذه الآية ، تحذير الكفار من هذه الأمة ، عن عدم الإيمان والرجوع عن الكفر ، بأنهم لا يغرنهم سعة الدنيا عليهم ، والتفاخر بالأموال والأولاد ، كأن الله يقول لهم : لا تغتروا بذلك ، فإننا أهلكنا كثيرا من أهل القرى الكفار ، وما جرى عليهم يجري عليكم ، وأهل القرى : قيل المراد بهم الأمم الماضية ، كقوم نوح ولوط وصالح وشعيب وغيرهم ، وقيل المراد بهم أهل قرية باليمن تسمى حضور بوزن شكور ، بعث الله عليهم موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب نبيا قبل موسى بن عمران ، فكذبوه وقتلوه ، فسلط الله عليهم بختنصر ، فقتل رجالهم وسبى نساءهم ، فلما استمر فيهم القتل هربوا ، فقالت الملائكة لهم استهزاء : لا تركضوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم ، لعلكم تسألون شيئا من دنياكم ، فإنكم أهل نعمة وغنى ، فاتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف ، ونادى منادي من جو السماء : يا ثارات الأنبياء ، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب ، حيث لم ينفعهم ، فعلى القول الأول كم واقعة على القرى ، وعلى الثاني واقعة على أشخاص تلك القرية. قوله : (أي شعر أهل القرية) بفتح العين بمعنى علم ، وأما بالضم فمعناه تكلم بالشعر ضد النثر قوله : (يهربون) أي فالركض كناية عن الهرب. قوله : (استهزاء بهم) جواب عما يقال : إن الملائكة معصومون من الكذب ، فكيف يقولون لهم ذلك ، مع علمهم بأنهم مهلكون عن آخرهم؟ فأجاب بأن هذا القول ليس على حقيقته ، بل سخرية بهم على حد : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). قوله : (وَمَساكِنِكُمْ) بالجر عطفا على (ما). قوله : (شيئا من دنياكم) أي فأنتم أهل سخاء وغنى تعطون الفقراء ، وهذا توبيخ وتهكم بهم. قوله : (بالكفر) أي وقتل موسى.
قوله : (فَما زالَتْ) ما نافية ، وزال فعل ماض ناقص ، و (تِلْكَ) اسمها و (دَعْواهُمْ) خبرها. قوله : (الكلمات) المراد بها قولهم (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ). قوله : (حَتَّى جَعَلْناهُمْ) أي رجالهم ، وأما النساء فقد سباهم بختنصر كما تقدم ، وكلام المفسر يفيد أن هذه الآية حكاية عن أهل حضور. قوله : (كخمود النار) أي سكون لهبها مع بقاء جمرها ، وأما الهمود ، فهو عبارة عن ذهاب النار بالكلية حتى تصير