مَعِيشَةً ضَنْكاً) بالتنوين مصدر بمعنى ضيقة ، وفسرت في حديث بعذاب الكافر في قبره (وَنَحْشُرُهُ) أي المعرض عن القرآن (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤) أي أعمى البصر (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) (١٢٥) في الدنيا وعند البعث (قالَ) الأمر (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) تركتها ولم تؤمن بها (وَكَذلِكَ) مثل نسيانك آياتنا (الْيَوْمَ تُنْسى) (١٢٦) تترك في النار (وَكَذلِكَ) ومثل جزائنا من أعرض عن القرآن (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) أشرك (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ) من عذاب الدنيا وعذاب القبر (وَأَبْقى) (١٢٧) أدوم (أَفَلَمْ يَهْدِ) يتبين (لَهُمْ) لكفار مكة (كَمْ) خبرية مفعول (أَهْلَكْنا) أي كثيرا إهلاكنا (قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) أي الأمم الماضية بتكذيب الرسل (يَمْشُونَ) حال من ضمير لهم (فِي مَساكِنِهِمْ) في سفرهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا وما ذكر من أخذ إهلاك من فعله الخالي عن حرف مصدري لرعاية المعنى لا
____________________________________
(بالتنوين) أي وصلا وإبداله ألفا وقفا ، وفي قراءة شاذة ضنكى كسكرى ، بألف بدل عن التنوين ، إجراء للوصل مجرى الوقف. قوله : (مصدر) أي وهو لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، بل هو بلفظ واحد للجميع ، ولذلك لم يقل ضنكة. قوله : (بعذاب الكافر في قبره) أي لما ورد أنه يضغط عليه القبر حتى تختلف أضلاعه ، ولا يزال في العذاب حتى يبعث ، وقيل المراد بالمعيشة الضنكى ، الحياة فيما يغضب الله تعالى ، وإن كان في رخاء ونعمة ، إذ لا خير في نعمة بعدها النار ، لما في الحديث : «رب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا». قوله : (أي المعرض عن القرآن) المناسب أن يقول المعرض عن الهدى لما علمت. قوله : (أي أعمى البصر) أي وذلك في المحشر ، فإذا دخل النار زال عماه ، ليرى مقعده في النار وعذابه بها. قوله : (الأمر) (كَذلِكَ) قدره إشارة إلى أن كذا خبر لمحذوف. قوله : (تركتها ولم تؤمن بها) أي فالمراد بالنسيان الإعراض وعدم الإيمان بها ، وليس المراد حقيقة النسيان ، وحينئذ فلا يصح الاستدلال بهذه الآية ، على أن من حفظ القرآن ثم نسيه ، يحشر يوم القيامة أعمى ، لأنه أمر اختلف فيه العلماء ، فمذهب مالك رضي الله عنه حفظ الزائد عما تصح به الصلاة من القرآن مستحب أكيد ابتداء ودواما فنسيانه مكروه ، ومذهب الشافعي نسيان كل حرف منه كبيرة تكفر بالتوبة والرجوع لحفظه. قوله : (أدوم) أي لأنه لا ينقطع ، بخلاف عذاب الدنيا والقبر.
قوله : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير أعموا فلم يهد لهم. قوله : (يتبين) أشار بذلك إلى أن (يَهْدِ) فعل لازم ، والمعنى أعموا فلم يظهر لهم إهلاكنا كثيرا من قبلهم من القرون. قوله : (مفعول به) أي وتمييزها محذوف أي قرنا ، وقوله : (مِنَ الْقُرُونِ) متعلق بمحذوف صفة لذلك التمييز. قوله : (بتكذيب الرسل) الباء سببية ، أي إن الإهلاك بسبب تكذيب الرسل وترك الإيمان بالله ورسوله. قوله : (وما ذكر) مبتدأ ، وقوله : (لا مانع منه) خبره ، والمعنى أن أخذ المصدر من الفعل لصحة المعنى ، لا يتوقف على الحرف المصدري ، بل يسبك المصدر من الفعل بدون سابك ، لتوقف المعنى عليه ، وأما لصحة الإعراب ، فلا يكون غالبا إلا بحرف مصدري. قوله : (لذوي العقول) أي السليمة الصافية ، وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون.