بالأكل من الشجرة (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) قربه (فَتابَ عَلَيْهِ) قبل توبته (وَهَدى) (١٢٢) أي هداه إلى المداومة على التوبة (قالَ اهْبِطا) أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما (مِنْها) من الجنة (جَمِيعاً بَعْضُكُمْ) بعض الذرية (لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) من ظلم بعضهم بعضا (فَإِمَّا) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة (يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) أي القرآن (فَلا يَضِلُ) فى الدنيا (وَلا يَشْقى) (١٢٣) في الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) أي القرآن فلم يؤمن به (فَإِنَّ لَهُ
____________________________________
العصيان والغواية ، من غير اقتران بالتأويل ، ولا نفي اسم العصيان عنه لصريح الآية ، وعلى كل حال ، فالله عنه راض ، وهو معصوم قبل النبوة وبعدها ، من كل ما يخالف أمر الله ، هذا هو الحق في تقرير هذا المقام. واعلم أن الخطأ والنسيان ، يقع من المعصومين للتشريع والمصالح ، كما هو معهود في نصوص الشرع ، وتسمية الله له في حقهم معصية ، من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله : (بالأكل من الشجرة) ، تقدم أنها الحنطة ، وقيل التين ، وقيل غير ذلك.
قوله : (ثُمَّ اجْتَباهُ) أي اصطفاه واختاره. قوله : (قبل توبته) أي بقوله : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) الخ. قوله : (إلى المداومة على التوبة) أي الاستمرار عليها. قوله : (قالَ اهْبِطا) أي قال الله تعالى لآدم وحواء : اهبطا من الجنة ، لأن مكثهما فيها كان معلقا على عدم أكلهما من الشجرة ، وقد سبق في علمه تعالى أنهما يأكلان منها ، فهو أمر مبرم ، والمعلق على المبرم مبرم ، فإخراجهما ليس للغضب عليهما ، بل لمزيد شرفهما ورفعة قدرهما ، لأنهما خرجا من الجنة منفردين ، ويعودان إليها بمائة وعشرين صفا من أولادهما ، لا يحيط بعدة تلك الصفوف إلا الله تعالى. إن قلت : ما الحكمة في تعليق الخروج على الأكل من الشجرة ، ولم يكن بلا سبب؟ أجيب : بأن الله سبحانه وتعالى كريم ، ومن عادة الكريم ، أن لا يسلب نعمته عن المنعم إليه إلا بحجة ، قال تعالى ذلك ، بأن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. قوله : (أي آدم وحواء) يحتمل أن (أي) حرف نداء ، و (آدم) منادى مبني على الضم في محل نصب ، و (حواء) معطوف على آدم ، ويحتمل أن أي حرف تفسير ، وآدم وحواء تفسير للضمير في اهبطا. قوله : (بما اشتملتما عليه) قصد بذلك التوفيق بين هذه الآية وآية الأعراف ، حيث جمع فيها ، وتقدم لنا وجه آخر في التوفيق بينهما ، بأن الجمع باعتبار آدم وحواء وإبليس والحية ، وعلى هذا فقوله : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) باعتبار أن الحية وإبليس عدو لآدم وذريته. قوله : (من ظلم بعضهم بعضا) أي من أجل ظلم بعضهم بعضا لما في الحديث : «سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها فاستجاب لي».
قوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) إن شرطية مدغمة في ما الزائدة و (يَأْتِيَنَّكُمْ) فعل الشرط مبني على الفتح في محل جزم لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة و (مِنِّي) متعلق بهدى و (هُدىً) فاعل ، وقوله : (فَمَنِ اتَّبَعَ) الخ ، من شرطية و (اتَّبَعَ) فعل الشرط ، وجملة (فَلا يَضِلُ) جوابه ، وقوله : (وَمَنْ أَعْرَضَ) الخ ، جملة شرطية أيضا ، والجملتان في محل جزم جواب الشرط الأول. قوله : (أي القرآن) في تفسير الهدى والذكر فيما يأتي بالقرآن قصور ، لأن الخطاب مع آدم وذريته ، وهداهم وتذكيرهم أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره من الكتب النازلة على الرسل ، فالمناسب أن يقول أي كتاب ورسول. قوله :