يقتلك فرعون في جملة من يولد (ما يُوحى) (٣٨) في أمرك ويبدل منه (أَنِ اقْذِفِيهِ) ألقيه (فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ) بالتابوت (فِي الْيَمِ) بحر النيل (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) أي شاطئه والأمر بمعنى الخبر (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) وهو فرعون (وَأَلْقَيْتُ) بعد أن أخذوك (عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) لتحب من الناس فأحبك فرعون وكل من رآك (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣٩) تربى على رعايتي وحفظي لك (إِذْ) للتعليل (تَمْشِي أُخْتُكَ) مريم لتتعرف خبرك وقد أحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدي واحدة منها (فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) فأجيبت فجاءت بأمه فقبل ثديها (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بلقائك (وَلا تَحْزَنَ) حينئذ (وَقَتَلْتَ نَفْساً) هو القبطي بمصر فاغتممت لقتله من جهة فرعون (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) اختبرناك بالإيقاع في غير ذلك وخلصناك منه (فَلَبِثْتَ سِنِينَ) عشرا (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) بعد مجيئك إليها من مصر من عند شعيب النبي وتزوجك بابنته (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ) في علمي بالرسالة وهو أربعون سنة من عمرك (يا
____________________________________
قوله : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) يحتمل أن المعنى ألقيت عليك محبة صادرة مني بأن أحببتك ، فتسبب عن محبتي محبة الناس لك ، ويحتمل أن المعنى ، ألقيت عليك محبة خلقتها في قلوب الناس لك فأحبوك ، والأول أحسن لعدم الكلفة فيه. قوله : (وَلِتُصْنَعَ) عطف على محذوف قدره المفسر بقوله : (لتحب من الناس). قوله : (تربى على رعايتي) الخ ، أي فالعين هنا بمعنى الرعاية والحفظ ، مجازا مرسلا من إطلاق السبب وهو نظر العين ، على المسبب وهو الحفظ والرعاية ، لأن شأن من ينظر للشيء بعينه ، أن يحفظه ويرعاه. قوله : (أُخْتُكَ) (مريم) أي وكانت شقيقته ، وهي غير أم عيسى. قوله : (لتعرف خبرك) أي فوجدتك وقعت في يد فرعون ، فدلتهم على أمك حيث قالت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) الخ. قوله : (وأنت لا تقبل) الخ ، أي لحكمة عظيمة ، وهي وقوعك في يد أمك ، لأنك لو رضعت غيرها ، لاستغنوا عن أمك. قوله : (عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) أي يكمل رضاعه ، وقد أرضعته أمه ، قيل ثلاثة أشهر ، وقيل أربعة.
قوله : (فَرَجَعْناكَ) معطوف على محذوف قدره المفسر بقوله : (فأجيبت) الخ. قوله : (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) أي تسكن وتبرد دمعة حزنها. قوله : (وَلا تَحْزَنَ) (حينئذ) أي حين إذ قبلت ثديها ، والمراد نفي دوام الحزن. قوله : (هو القبطي) أي واسمه قاب قان ، وكان طباخا لفرعون. قوله : (من جهة فرعون) أي لا من جهة قتله ، فإنه كان كافرا. قوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي خلصناك من محنة بعد أخرى ، روي أن سعيد بن جبير سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية فقال : خلصناك من محنة بعد محنة : ولد في عام كان يقتل فيه الولدان ، فهذه فتنة يا ابن جبير ، والقته أمه في البحر ، وهم فرعون بقتله ، وقتل قبطيا ، وآجر نفسه عشر سنين ، وضل الطريق ، وضلت غنمه في ليلة مظلمة ، وكان عند كل واحدة ، فهذه فتنة يا ابن جبير. قوله : (سِنِينَ) (عشرا) أي ولبث في مصر قبل قتل القبطي ثلاثين سنة ، وقيل خرج من مصر وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، فمكث بمدين لرعي الغنم عشر سنين ، وبعدها ثماني عشرة سنة. قوله : (عَلى قَدَرٍ) أي مقدار من الزمان.