بَصِيراً) (٣٥) عالما فأنعمت بالرسالة (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٣٦) منا عليك (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) (٣٧) (إِذْ) للتعليل (أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ) مناما إو إلهاما لما ولدتك وخافت أن
____________________________________
قوله : (قالَ قَدْ أُوتِيتَ) أي جوابا لمطلوباته ، وقوله : (سُؤْلَكَ) أي مسؤولك ، ففعل بمعنى مفعول ، كأكل وخبز ، بمعنى مأكول ومحبوز. قوله : (يا مُوسى) خاطبه باسمه ، إشعارا بمحبته ، وتعظيم شأنه ، ورفعة قدره صلىاللهعليهوسلم. قوله : (منا عليك) أي تفضلا حاصلا عليك ، وقدره دخولا على ما بعده. قوله : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ) استئناف مسوق لزيادة الطمأنينة لموسى ، كأن الله يقول له : إنا قد مننا عليك بمنن سابقة ، من غير دعاء منك ولا طلب ، فلأن نعطيك ما تطلبه بالأولى ، وصدر الجملة بالقسم ، زيادة في الاعتناء بشأنه. قوله : (مَرَّةً أُخْرى) تأنيث آخر بمعنى غير ، أي تحققت منتنا عليك مرة أخرى ، غير المنة التي تحققت لك بسؤالك ، والمراد بالمنة الجنس الصادق بالمنن الكثيرة. قوله : (للتعليل) أي لقوله مننا ، والمعنى لأننا أوحينا إلى أمك الخ ، ويصح أن تكون للظرفية ، والمعنى ولقد مننا عليك وقت إيحائنا إلى أمك الخ ، وحاصل ما ذكره من المنن من غير سؤال ثمانية : الأولى قوله : (إِذْ أَوْحَيْنا) الثانية قوله : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ). الثالثة قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي). الرابعة قوله : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ). الخامسة قوله : (وَقَتَلْتَ نَفْساً). السادسة قوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) السابعة قوله : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ). الثامنة قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي).
قوله : (إِلى أُمِّكَ) أي واسمها يوحانذ بياء مضمومة فواو ساكنة بعدها حاء مهملة فألف فنون مكسورة فذال معجمة. قوله : (مناما أو إلهاما) أي أو يقظة ، ولا ينافيه كونها ليست نبية ، فإن المخصوص بالأنبياء الوحي بالشرائع والتكاليف ، وأما الوحي بغير الشرع فجائز حتى للنساء ، كما وقع لمريم أم عيسى. قوله : (لما ولدتك) أي في السنة التي رتب فرعون اتباعه ، لذبح كل من يولد من الذكور في تلك السنة ، وذلك أن فرعون رأى رؤيا هالته ، فقصها على الكهنة ، فعبرت له بمولود يكون زوال ملكه على يديه ، فأمر أتباعه بأن يذبحوا كل من يولد من الذكور ، حتى شق الأمر ، فأبقى القتل في سنة ورفعه في سنة ، فصادف ولادة موسى ، في السنة التي فيها القتل ، فلما ولد ، جاء أتباع فرعون يفتشون عن المولود ، فوضعته أمه في التنور ، فجاءت أخته وأوقدته ، ففتشوا عليه فلم يجدوه ، فخرجوا من عندها ، فنظرت إلى التنور فوجدته موقدا ، فخافت عليه ، فناداها من التنور فأخرجته سالما ، فأوحى الله إليها أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ، فأخذت صندوقا وجعلت فيه قطنا ووضعته فيه ، ثم طلت رأس التابوت بالقار ، وألقته في اليم ، فموجه البحر حتى أدخله في نهر كائن في بستان فرعون ، وكان فرعون جالسا مع آسية زوجته ، فأمر به فأخرج ففتح ، فإذا هو صبي أحسن الناس وجها ، فأحبه عدو الله حبا شديدا ، حتى إنه لم يقدر على بعده عنه ، وذلك قوله تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي). قوله : (ما يُوحى) أبهمه للتعظيم كقوله تعالى : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ). قوله : (في أمرك) أي شأنك. قوله : (ويبدل منه) أي بدل مفصل من مجمل. قوله : (أي شاطئه) المراد قربه ، لأن الصندوق أخذ من نفس البحر قريبا من البر. قوله : (والأمر بمعنى الخبر) أي وحكمة العدول عنه ، لما كان ألقاه البحر إياه بالساحل ، أمرا واجب الحصول لتعلق الإرادة به ، نزل البحر منزلة شخص مطيع ، أمره الله بأمر لا يستطيع مخالفته.