(وَهَلْ) قد (أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (٩) (إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ) لامرأته (امْكُثُوا) هنا وذلك في مسيره من مدين طالبا مصر (إِنِّي آنَسْتُ) أبصرت (ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) شعلة في رأس فتيلة أو عود (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (١٠) أي هاديا يدلني على الطريق وكان أخطأها
____________________________________
وأخفى ما أخفى على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه ، فالله يعلم ذلك كله ، وعلمه فيما مضى من ذلك وما يستقبل علم واحد ، وجميع الخلائق في علمه كنفس واحدة. قوله : (فلا تجهد) بفتح التاء والهاء ، أو ضم التاء وكسر الهاء من جهد وأجهد ، أي لا تتعب نفسك بالجهر ، بقصد إسماع الله تعالى ، وهذا نهي له صلىاللهعليهوسلم ، والمراد به غيره. قوله : (والحسنى مؤنث الأحسن) أي فهو اسم تفضيل ، يوصف بها الواحد من المؤنث والجمع من المذكر الغير العاقل كما هنا.
قوله : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) استفهام للتشويق والتقرير في ذهن السامع ، والجملة مستأنفة ، خطاب لسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، كأن الله يقول له : إنا أرسلناك بالتوحيد ، ولا غرابة في ذلك ، فإنه أمر مستمر فيما بين الأنبياء ، كابرا عن كابر ، وقد خوطب به موسى حيث قيل له : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) وبه ختم موسى مقالته حيث قال : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فالمقصود من الاستفهام ، تشويق السامع ليتلقى ما ذكر بتطلع والتفات وحضور قلب ، لا حقيقته ، فإنه مستحيل عليه تعالى ، أو أن (هَلْ) بمعنى (قد) كما قال المفسر. قوله : (إِذْ رَأى ناراً) ظرف لحديث. قوله : (امرأته) أي وهي بنت شعيب واسمها صفورا ، وقيل صفوريا ، وقيل صفورة واسم أختها ليا ، وقيل شرفا ، وقيل عبدا ، واختلف في التي تزوجها ، فقيل هي الصغرى ، وقيل الكبرى ، وتقدم ذلك.
قوله : (امْكُثُوا) إنما أتى بجمع الذكور ، وإن كان الخطاب لامرأته ، تعظيما أو مراعاة لمن معها من الخدم والأولاد. قوله : (وذلك في مسيره) الخ ، روي أنه عليهالسلام ، استأذن شعيبا عليهالسلام في الخروج إلى أمه وأخيه بمصر ، فخرج بأهله وأخذ على غير الطريق ، مخافة من ملوك الشام ، فلما وافى وادي طوى ، وهو الجانب الغربي من الطور الذي هو بفلسطين ، لأنه هو الذي على يمين المتوجه من مدين ، وقيل هو الذي بين مصر وأيلة ، ورد بأنه على يسار المتوجه من مدين إلى مصر كما هو مشاهد ، وقد قال تعالى : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) ولد له ولد في ليلة مظلمة شاتية باردة ، وكانت ليلة الجمعة ، وقد أخطأ الطريق ، وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده ، وقدح زنده فلم يخرج نارا ، فبينما هو في ذلك ، إذ رأى عن يسار الطريق من جانب الطور نارا ، فأمر أهله بالمكث ، لئلا يتبعوه فيما عزم عليه من الذهاب إلى النار كما هو المعتاد ، لا لئلا ينتقلوا إلى موضع آخر ، فإنه مما لا يخطر بالبال ، فلما وصل إلى تلك النار التي أبصرها ، خاطبه الله وأرسله إلى فرعون ، وخلف أهله في الموضع الذي تركهم فيه ، فلم يزالوا مقيمين فيه ، حتى مر بهم راع من أهل مدين ، فعرفهم فحملهم إلى شعيب ، فمكثوا عنده ، حتى جاوز موسى ببني إسرائيل البحر ، وغرق فرعون وقومه ، فبعثهم شعيب إلى موسى بمصر.
قوله : (إِنِّي آنَسْتُ) من الإيناس وهو الإبصار ، ومنه إنسان العين لأنه يبصر الأشياء. قوله : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) أو مانعة خلو يجوز الجمع ، وعلى بمعنى عند ، أي عند النار. قوله : (وكان أخطأها)