لظلمة الليل ، وقال لعل لعدم الجزم بوفاء الوعد (فَلَمَّا أَتاها) وهي شجرة عوسج (نُودِيَ يا مُوسى) (١١) (إِنِّي) بكسر الهمزة بتأويل نودي بقيل وبفتحها بتقدير الباء (أَنَا) تأكيد لياء المتكلم (رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) المطهر أو المبارك (طُوىً) (١٢) بدل أو عطف بيان بالتنوين وتركه مصروف باعتبار المكان وغير مصروف للتأنيث باعتبار البقعة مع العلمية (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) من قومك (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) (١٣) إليك مني (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (١٤) فيها (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) عن الناس ويظهر لهم قربها بعلاماتها (لِتُجْزى) فيها (كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (١٥) به من خير أو شر (فَلا يَصُدَّنَّكَ) يصرفنك (عَنْها)
____________________________________
أي لأنه سار على غير الطريق ، مخافة من ملوك الشام. قوله : (لعدم الجزم بوفاء الوعد) لأنه لا يدري ما يفعل الله به. قوله : (فَلَمَّا أَتاها) أي النار التي آنسها. قوله : (وهي شجرة عوسج) هذا أحد أقوال فيها ، وقيل عليق ، وقيل عناب. قوله : (نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) هذا أول المكالمة بينه وبين الله تعالى ، وآخرها قوله فيما يأتي (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وهذا بالنسبة لهذه الواقعة ، وإلا فله مكالمات أخر ، وسمع الكلام بكل أجزائه من جميع جهاته ، حتى أن كل جارحة منه كانت أذنا. قوله : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي تواضعا لله ، ومن ثم كان السلف يطوفون بالكعبة حفاة ، وقيل أمر بخلعهما لنجاستهما ، لأنهما كانا من جلد حمار ميت لم يدبغ ، روي أنه خلعهما وألقاهما خلف الوادي. قوله : (بالتنوين وتركه) هما قراءتان سبعيتان. قوله : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أي للنبوة والرسالة ، وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة ، كما سيأتي عند قوله تعالى : (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى).
قوله : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) بدل مما يوحى ، وهو إشارة للعقائد العقلية ، وقوله : (فَاعْبُدْنِي) إشارة للأعمال الفرعية ، وقوله : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) إشارة للعقائد السمعية ، فقد اشتمل ذلك على جملة الدين. قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) خصها بالذكر ، وإن كانت داخلة في جملة العبادات ، لعظم شأنها واحتوائها على الذكر ، وشغل القلب واللسان والجوارح ، فهي أفضل أركان الدين بعد التوحيد. قوله : (لِذِكْرِي) (فيها) أي لتذكرني فيها ، لأنها مشتملة على كلامي وغيره من أنواع الذكر.
قوله : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) أي حاصلة ولا بد ، وسميت ساعة لأنها تأتي في ساعة ، أي قطعة من الزمان. قوله : (أَكادُ أُخْفِيها) أي أريد إخفاء وقتها ، والحكمة في إخفاء وقتها وإخفاء الموت ، أن الله تعالى ، حكم بعدم قبول التوبة عند قربها وفي الغرغرة ، فلو عرف الخلق وقتهما ، لاشتغلوا بالمعاصي إلى قرب ذلك الوقت ، ثم يتوبون فيتخلصون من عقاب المعصية ، فتعريف وقتهما كالإغراء بفعل المعاصي. قوله : (بعلاماتها) أي أماراتها ، وأول العلامات الصغرى بعثة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وآخرها ظهور المهدي. قوله : (لِتُجْزى) إما متعلق بأخفيها أو بآتية ، وقوله : (أَكادُ أُخْفِيها) جملة معترضة بين المتعلق والمتعلق. قوله : (بِما تَسْعى) ما موصولة ، وجملة (تَسْعى) صلته ، والعائد محذوف قدره المفسر بقوله : (به) وقوله : (من خير وشر) بيان لما قوله : (فَلا يَصُدَّنَّكَ) الخطاب لموسى ، والمراد غيره ، والفعل مبني على