نفسك (إِلَّا) لكن أنزلناه (تَذْكِرَةً) به (لِمَنْ يَخْشى) (٣) يخاف الله (تَنْزِيلاً) بدل من اللفظ بفعله الناصب له (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) (٤) جمع عليا ككبرى وكبر ، هو (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ) وهو في اللغة سرير الملك (اسْتَوى) (٥) استواء يليق به (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات (وَما تَحْتَ الثَّرى) (٦) هو التراب الندي والمراد الأرضون السبع لأنها تحته (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) في ذكر أو دعاء فالله غني عن الجهر به (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (٧) منه أي ما حدثت به النفس وما خطر ولم تحدث به ، فلا تجهد نفسك بالجهر (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٨) التسعة والتسعون الوارد بها الحديث ، والحسنى مؤنث الأحسن
____________________________________
من جنس الشقاء. قوله : (تَذْكِرَةً) مفعول لأجله ولتشقى كذلك ، وإنما نصب الثاني دون الأول ، لأن فاعل الذكرى والإنزال هو الله ، بخلاف الأول.
قوله : (لِمَنْ يَخْشى) أي لمن في قلبه رقة يتأثر بالمواعظ. قوله : (بدل من اللفظ) أي عوض من التلفظ والنطق بفعله المقدر ، والأصل نزلناه تنزيلا ، فحذف الفعل وجوبا ، لنيابة المصدر عنه في المعنى والعمل. قوله : (هو) قدره إشارة إلى أن (الرَّحْمنُ) خبر لمحذوف ، وحينئذ فيكون نعتا مقطوعا قصد به المدح. قوله : (سرير الملك) أي الذي يجلس عليه الملك ، قال تعالى في حق بلقيس (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها). قوله : (استواء يليق به) هذه طريقة السلف الذين يفوضون علم المتشابه لله تعالى ، ومن ذلك جواب الإمام مالك رضي الله عنه ، عن معنى الاستواء على العرش في حقه تعالى ، حيث قال للسائل : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، أخرجوا عني هذا المبتدع ، وأما الخلف وهم من بعد الخمسمائة ، فيؤولونه بمعنى صحيح لائق به سبحانه وتعالى فيقولون : إن المراد بالاستواء ، الاستيلاء بالتصرف والقهر ، فالاستواء له معنيان ، الركوب والجلوس ، والاستيلاء بالقهر والتصرف ، وكلا المعنيين وارد في اللغة ، يقال استوى السلطان على الكرسي ، بمعنى جلس واستوى على الأقطار ، بمعنى ملك وقهر ، ومن الثاني قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
وحينئذ ، فالمتعين إطلاقه عليه تعالى بهذا المعنى هو الثاني. قوله : (من المخلوقات) بيان للثلاثة. قوله : (هو التراب الندي) أي الذي فيه نداوة ، فإن لم يكن نديا فهو تراب ، ولا يقال له ثرى. قوله : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) المقصود منه النهي عن الجهر ، لغير أمر شرعي ، كأنه يقول : إن الله غني عن الجهر ، فلا تجهد نفسك به ، فالجهر بالذكر أو الدعاء أو القراءة بقصد إسماع الله تعالى ، إما جهل أو كفر ، وإما لغرض آخر ، كإرشاد العباد ، وحضور القلب ، ودفع الشواغل والوسوسة فهو مطلوب. قوله : (فالله غني) الخ ، قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف ، وقوله : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) الخ ، تعليل لذلك المحذوف. قوله : (وَأَخْفى) هو أفعل تفضيل ، أي والذي هو أخفى من السر. قوله : (أي ما حدثت به النفس) الخ ، هذا أحد أقوال في تفسير السر وأخفى ، وقال ابن عباس : السر ما أسره ابن آدم في نفسه ،