فيؤمنوا (وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) علما وقدرة فهم في قبضته فبلغهم ولا تخف أحدا فهو يعصمك منهم (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) عيانا ليلة الإسراء (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) أهل مكة إذ كذبوا بها وارتد بعضهم لما أخبرهم بها (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) وهي الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم جعلناها فتنة لهم إذ قالوا النار تحرق الشجر فكيف تنبته (وَنُخَوِّفُهُمْ) بها (فَما يَزِيدُهُمْ) تخويفنا (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠) (وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجود تحية بالانحناء (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٦١) نصب بنزع الخافض أي من طين (قالَ أَرَأَيْتَكَ) أي أخبرني (هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ) فضلت
____________________________________
قوله : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ) إذ ظرف متعلق بمحذوف قدره المفسر بقوله : (اذكر). قوله : (فهو يعصمك منهم) أي قتلهم لا من أذاهم فإنه حاصل. قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا) المراد الرؤية بالبصر ، واستعمالها بالألف قليل ، والكثير استعمال البصرية بالتاء ، والحلمية بالألف ، وإنما عبر عنها بالألف لوقوعها بالليل ، ولسرعة تقضيها كأنها منام.
قوله : (وَالشَّجَرَةَ) معطوفة على الرؤيا. قوله : (الْمَلْعُونَةَ) إسناد اللعن لها ، إما حقيقة بالاعتبار أنها مؤذية ومذمومة ومطرودة عن رحمة الله ، لأنها تخرج في أصل الجحيم ، أو مجاز والمراد ملعون آكلوها. قوله : (فِي الْقُرْآنِ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة الشجرة ، أي المذكورة في القرآن. قوله : (وهي الزقوم) هي أخبث الشجر المر تنبت بتهامة ، وتكون في أصل الجحيم طعام أهل النار. قوله : (إذ قالوا النار تحرق الشجر) الخ ، أي فقصدوا بذلك ، إنكار قدرة الله تعالى وإثبات العجز له ، والاستهزاء بقول الرسول ، وهو غفلة منهم عن قدرة الله ، معتمدين على الأمر العادي ، مع أنه شوهد تخلفه في مثل النعامة ، فإنها تبتلع الجمر والحديد المحمى بالنار ولا يحرقها ، وطير السمندل يتخذ من وبره مناديل ، فإذا اتسخت ألقيت في النار ، فيزول وسخها وتبقى بحالها.
قوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) كرر قصة آدم مع إبليس في القرآن مرارا ، لابتناء السعادة والشقاوة عليها ، وإشارة إلى أن السعيد هو من تبع آدم ، والشقي هو من تبع إبليس ، ليحصل ما ترتب على ذلك من النعيم المقيم لأهل السعادة ، والعذاب الأليم لأهل الشقاوة. قوله : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) أي بعد أن قال لهم (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) قال لهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ثم علمه أسماء الأشياء كلها ، ثم عرض الله على الملائكة المسميات ؛ وأمر آدم أن يقول للملائكة : أنبئوني بأسماء هؤلاء ، قالوا : لا علم لنا إلا ما علمتنا ، قال الله : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، فلما أنبأهم بأسمائهم صار شيخا لهم ، فوجب تعظيمه واحترامه ، فأمروا بالسجود له ، وفاء ببعض حقوقه عليهم. قوله : (سجود تحية بالانحناء) دفع بذلك ما يقال : إن السجود لغير الله كفر ، والملائكة بريئون منه ، ويدفع أيضا بأن السجود لآدم حقيقة بوضع الجبهة ، وآدم كالقبلة كالمصلين للكعبة ، وأيضا محل كون السجود لغير الله كفرا ، ما لم يكن الآمر به هو الله ، وإلا فيجب امتثاله ، وقد تقدم ذلك.
قوله : (فَسَجَدُوا) أي الملائكة جميعا. قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ) أي امتنع من السجود قولا وفعلا. قوله : (قالَ أَأَسْجُدُ) إلخ ، الاستفهام إنكاري فهو بمعنى النفي. قوله : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ)