(يَبْتَغُونَ) يطلبون (إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) القربة بالطاعة (أَيُّهُمْ) بدل من واو يبتغون أي يبتغيها الذي هو (أَقْرَبُ) إليه فكيف بغيره (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (٥٧) (وَإِنْ) ما (مِنْ قَرْيَةٍ) أريد أهلها (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) بالموت (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) بالقتل وغيره (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ) اللوح المحفوظ (مَسْطُوراً) (٥٨) مكتوبا (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) التي اقترحها أهل مكة (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذبوا بها واستحقوا الإهلاك وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) آية (مُبْصِرَةً) بينة واضحة (فَظَلَمُوا) كفروا (بِهَا) فأهلكوا (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) المعجزات (إِلَّا تَخْوِيفاً) (٥٩) للعبادة
____________________________________
طاعتهم وخضوعهم وذلهم لربهم ، ويرجون رحمته ، ويخافون عقابه ، بل كل من كان أقرب منهم في الدرجة ، فهو أشد خضوعا وخوفا ، ولا يرضون بكونهم معبودين من دون الله. قوله : (بدل من واو يبتغون) أي و (أَقْرَبُ) خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة ، أي كما أشار له المفسر بقوله : (يبتغيها الذي هو) (أَقْرَبُ). قوله : (فكيف تدعونهم آلهة) أي مع كونهم راجين خائفين محتاجين لربهم ، والإله لا يكون كذلك. قوله : (كانَ مَحْذُوراً) أي مخافا منه ، والمعنى هو حقيق بأن يخاف منه كل أحد.
قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي طائعة أو عاصية ، وقوله : (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) أي الطائعة ، وقوله : (أَوْ مُعَذِّبُوها) أي العاصية ، والمعنى أن كل أحد يفنى قبل يوم القيامة ، قال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) ولكن الفناء مختلف ، فمنهم من يموت ميتة حسنة ، ومنهم من يموت ميتة سوء. قوله : (بالموت) أي فالهلاك قد يستعمل في الموت ، قال تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ). قوله : (كانَ ذلِكَ) أي ما ذكر من الإهلاك والتعذيب. قوله : (مَسْطُوراً) أي فلا يغير ولا يبدل.
قوله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ) الخ ، سبب نزول هذه الآية ، أنهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : اقلب لنا الصفا ذهبا ، وسير لنا هذه الجبال عن مكة لنزرع مكانها ، وأحي لنا آباءنا الموتى ، فإن فعلت ذلك آمنا بك ، فشرع النبي يسأل الله تعالى في ذلك ، فنزلت هذه الآية ، والمعنى ما كان السبب في تركنا إجابتهم عجزا منا ، بل السبب في ترك الإجابة غلبة رحمتنا بهم ، فإنه قد جرت عادتنا ، من أول الزمان إلى وقتك هذا ، أن كل أمة طلبت من نبيها آية نأتيهم بها ، فإذا كفروا استأصلناهم بالهلاك ، وقد سبق في علمنا أن أمتك تبقى على وجه الأرض إلى يوم القيامة ، ولو آتيناهم ما طلبوه ولم يؤمنوا ، لاستأصلناهم بالهلاك ، فلم يتم ما سبق في علمنا ، فمنعهم مما طلبوه رحمة بأمتك جميعا. قوله : (التي اقترحوها) أي كقلب الصف ذهبا ، وغير ذلك مما يأتي في قوله وقالوا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الآيات.
قوله : (مُبْصِرَةً) بكسر الصاد بإتفاق السبعة ، وإسناد الإبصار لها مجاز ، لأنها سبب في التبصر والاعتبار والاهتداء ، وخصت معجزة صالح بالذكر هنا ، لأن المكذبين لها ديارهم المهلكة قريبة منهم ، يبصرونها في أسفارهم ذهابا وإيابا. قوله : (المعجزات) دفع بذلك ما يقال إن في الآية تعارضا ، حيث نفى إرسال الآيات أولا ، وأثبته ثانيا. وحاصل الجواب أن يقال : إن المنفي أولا الآيات المقترحة ، والمثبت ثانيا المعجزات الغير المقترحة.