السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيخصهم بما شاء على قدر أحوالهم (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بتخصيص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ومحمد بالإسراء (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٥٥) (قُلِ) لهم (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم آلهة (مِنْ دُونِهِ) كالملائكة وعيسى وعزير (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (٥٦) له إلى غيركم (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) هم آلهة
____________________________________
جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ومقتضى العلة ، أنه حيث أدى الاغلاظ إلى زيادة الفساد ، وجب تركه في أي زمن. قوله : (بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي بأحوالهم ، فيخص بالنبوة من شاء من خلقه ، وبولايته وسعادته من شاء منهم ، وفي هذه الآيات رد على المشركين ، حيث استبعدوا النبوة على رسول الله بقولهم : كيف يكون يتيم أبي طالب نبيا؟ وكيف يكون العراة الجوع أصحابه؟ وهذه العبارة لا يجوز إطلاقها على النبي ، إلا في مقام الحكاية على الكفار ، ولذا أفتى بعض المالكية بقتل قائلها في مقام النقيض ، والباء متعلقة بأعلم ، ولا يلزم عليه قصر علمه على من في السماوات والأرض ، لأنه مفهوم لقب وهو لا يعتبر ، وقد رد العلماء على من اعتبره ، كأبي بكر الدقاق.
قوله : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) أي بتفضيل من الله ومزايا خصهم بها ، ميز بعضهم عن بعض. قوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) خص بالذكر ، لأن اليهود زعمت أنه لا نبي بعد موسى ، ولا كتاب بعد التوراة ، وقصدهم بذلك إنكار نبوة محمد وإنكار كتابه ، فرد الله عليهم بقوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) لأنهم يعترفون بنبوة داود ، ونزل الزبور عليه ، مع أنه جاء بعد موسى ، والزبور كتاب أنزل على داود ، مشتمل على مائة وخمسين سورة ، أطولها قدر ربع من القرآن ، وأقصرها قدر سورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) وكلها دعاء وتحميد ، ليس فيها حلال ولا حرام ، ولا فرائض ولا حدود ولا أحكام ، وفي هذه الآية ، إشارة إلى أن تفضيل الأنبياء بالفضائل النفسانية ، والتخلي عن العلائق الجسمانية ، والتحلي بالأخلاق الرحمانية ، لا بكثرة الأموال والأتباع ، حتى داود عليهالسلام ، فإن شرفه بما أوحى الله إليه من الكتاب ، لا بما أوتيه من الملك ، فالعز والتفضيل فى المزايا الأخروية لا الدنيوية ، فإنها تكون في المؤمن والكافر ، فلا يمتن الله بها على أحبابه وأصفيائه.
قوله : (قُلِ) (لهم) أي قل يا محمد ردا على من اعتقد مع الله شريكا. قوله : (أنهم آلهة) أشار بذلك إلى أن مفعولي زعم محذوفان. قوله : (مِنْ دُونِهِ) أي غيره ، وفي الآية تقديم وتأخير ، والتقدير قل ادعوا الذين من دونه زعمتم أنهم آلهة ، فالمعنى أنهم يعبدونها كما يعبدون الله ، فاندفع ما يقال : إن المشركين. إنما يعتقدون الشركة مع الله ، لا أن الآلهة غيره ، وهو ليس بإله. قوله : (كالملائكة) الخ ، أي وكمريم ، فالكلام في خصوص العقلاء بدليل قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) قوله : (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) أي لا يستطيعون إزالته لعجزهم ، وحينئذ فهؤلاء ليسوا بآلهة ، لأن الإله هو القادر الذي لا يعجزه شيء ، والجملة جواب الأمر.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) هذا من تتمة ما قبله ، واسم الإشارة مبتدأ ، وجملة (يَبْتَغُونَ) وما عطف عليه خبر ، و (الَّذِينَ) بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه و (يَدْعُونَ) صلته ، وقدر المفسر مفعوليه والمعنى أن العقلاء الذين زعمتموهم وعبدتموهم آلهة ، يطلبون من الله القرب بسبب