وَ) أن تحسنوا (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) بأن تبروهما (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما) فاعل (أَوْ كِلاهُما) وفي قراءة يبلغان فأحدهما بدل من ألفه (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) بفتح الفاء وكسرها منونا وغير منون مصدر بمعنى تبّا وقبحا (وَلا تَنْهَرْهُما) تزجرهما (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) (٢٣) جميلا لينا (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) ألن لهما جانبك الذليل (مِنَ الرَّحْمَةِ) أي لرقتك عليهما (وَقُلْ رَبِ
____________________________________
أي أمرا جازما ، وقيل إن قضى بمعنى أوصى ، وقيل بمعنى حكم ، وقيل بمعنى ألزم ، وقيل بمعنى أوجب ، وكل صحيح.
قوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) بأن لا تشركوا معه في العبادة غيره ، فتمتثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه ، ودخل في ذلك الاقرار لرسول الله بالرسالة ، ومحبته وتعظيمه ، لأن ذلك من حملة المأمور به ، قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ). قوله : (أي بأن) أشار بذلك إلى أن أن مصدرية ، ويكون الفعل منصوبا بحذف النون ، ويصح أن أن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، ولا ناهية ، والفعل مجزوم بحذف النون ، والواو فاعل على كل حال. قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ) متعلق بمحذوف قدره المفسر بقوله : (وَ) (أن تحسنوا) والجملة معطوفة على جملة (أَلَّا تَعْبُدُوا). قوله : (بأن تبروهما) أي تطيعوا أمرهما في غير معصية الله. قوله : (إِمَّا يَبْلُغَنَ) إن شرطية مدغمة في ما الزائدة ، والفعل مبني على الفتح ، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، في محل جزم ، وأحدهما فاعل ، وكلاهما معطوف عليه ، وجواب الشرط هو قوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) وما عطف عليه من بقية الخمسة التي كلف بها الإنسان في حق والديه. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا ، وعليها فالفعل مجزوم بحذف نون الرفع ، والألف فاعل ، والنون المشددة المكسورة للتوكيد والتقييد بحالة الكبر ، خرج مخرج الغالب ، لأن الولد غالبا إنما يتهاون بوالديه عند حصول الكبر لهما ، ومعنى قوله : (عِنْدَكَ) أن يكون في منزلك وكفالتك ، ومعدودا من عيالك ، وهذا بحسب الغالب ، وإلا فالولد مطلوب ببر والديه مطلقا ، كانا عنده أو لا. قوله : (بفتح الفاء) أي من غير تنوين ، قوله : (وكسرها) أي منونا وغير منون ، فالتعميم راجع لقراءة الكسر ، خلافا لما يوهمه المفسر ، فالقراآت السبعية ثلاث ، وقرىء شذوذا بالرفع مع التنوين وتركه ، وبالفتح مع التنوين وسكون الفاء ، فتكون الشواذ أربعا ، فجملة القراآت سبع هنا ، وفي الأنبياء وفي الأحقاف ولغاتها أربعون لغة ، ذكرها ابن عطية في تفسيره. قوله : (مصدر بمعنى تبا) بفتح التاء وضمها أي خسرانا ، قوله : (وقبحا) أي لا تقل لهما قبحا لكما ولأفعالكما ، والأوضح أن يقول اسم فعل المضارع ، أي لا تقل لهما أنا اتضجر من شيء يصدر منكما. قوله : (وتزجرهما) أي عما لا يعجبك منهما بإغلاظ ، بأن لا تأمرهما ولا تنهاهما ، ولو كان ذلك الأمر غير مناسب ، بل إذا أحب أن يأمرهما أو ينهاهما ، فليكن على سبيل المشاورة باللطف والرفق. قوله : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) أي حسنا ، كأن يقول لهما : يا أبتاه يا أماه ، ولا يسميهما.
قوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) في الكلام استعارة تبعية في الفعل ، حيث شبهت إلانة الجانب بخفض الجناح ، والجامع الرأفة في كل ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، وإضافة جناح للذل ، من إضافة الموصوف للصفة ، أي جانبك الذليل ، وقد أشار لذلك كله المفسر. قوله : (أي لرقتك عليهما) أشار بذلك إلى أن (مِنَ) للتعليل ، والمعنى من أجل الرحمة ، لا خوفا من العار مثلا. قوله : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما)