مَشْكُوراً) (١٩) عند الله مقبولا مثابا عليه (كُلًّا) من الفريقين (نُمِدُّ) نعطي (هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) بدل (مِنْ) متعلق بنمد (عَطاءِ رَبِّكَ) في الدنيا (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ) فيها (مَحْظُوراً) (٢٠) ممنوعا عن أحد (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في الرزق والجاه (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ) أعظم (دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (٢١) من الدنيا فينبغي الاعتناء بها دونها (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) (٢٢) لا ناصر لك (وَقَضى) أمر (رَبُّكَ أَلَّا) أي بأن (تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
____________________________________
البر والطاعات واجتناب المنهيات. قوله : (حال) أي من ضمير (سَعى).
قوله : (فَأُولئِكَ) جواب الشرط ، وفيه مراعاة معنى من وفيما قبله مراعاة لفظها ، وهو إشارة إلى أن من جمع ثلاث خصال ، فهو من أهل الجنة : الإيمان والعمل الصالح والاخلاص ، ولذا قال بعضهم : من لم تكن معه ثلاث لم ينفعه علمه : إيمان ثابت ، ونية صادقة ، وعلم مصيب ، وتلا هذه الآية ، وهذا هو كمال الإيمان. قوله : (مثابا عليه) أي فشكر الله لعباده قبولهم وإثابتهم على أعمالهم. قوله : (كلا) مفعول لنمد. قوله : (من الفريقين) أي مريد الدنيا ومريد الآخرة. قوله : (بدل) أي من (كُلًّا) بدل من كل كأنه قال : (نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) الأول للفريق الأول ، والثاني للفريق الثاني ، فهو لف ونشر مرتب. قوله : (في الدنيا) أي كسعة الرزق والجاه والعافية وغير ذلك. قوله : (ممنوعا عن أحد) أي مؤمن أو كافر. وأما في الآخرة ، فعطاؤه ممنوع عن الكافر ، وهو مختص بالمؤمن.
قوله : (كَيْفَ) منصوب على الحال من (فَضَّلْنا) كأنه قال : انظر تفضيلنا بعضهم على بعض كائنا على أي حالة. قوله : (من الدنيا) أي من درجاتها ، لأن فضل الآخرة عظيم لا ينقطع ، بل هو دائم لا يفنى. قوله : (فينبغي الاعتناء بها) أي بالآخرة ، وقوله : (دونها) أي الدنيا. قوله : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الخطاب إما للنبي والمراد غيره ، أو لكل مكلف ، وهو الأولى ، والمعنى لا تشرك أيها المكلف غير الله مع الله ، لا في ظاهرك ولا باطنك ، بل خلص قلبك من التعلق بغيره والمحبة لسواه ، ولا تجعل الغير في خيالك ، فإنه نقص عن مراتب الأخيار ، ولذا قال ابن الفارض :
ولو خطرت لي في سواك إرادة |
|
على خاطري يوما حكمت بردتي |
قوله : (فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) يصح أن تكون فعد بمعنى عجز ، فمذموما مخذولا حالان ، ويصح أن تكون بمعنى صار ، فمذموما مخذولا خبران لها. قوله : (لا ناصر لك) تفسير لمخذولا ، وتقدم تفسيره مذموما بملوما ، والمعنى ملوما من الخلق ، مخذولا من الخلق ، لم يجعل له ناصرا.
قوله : (وَقَضى رَبُّكَ) ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات جملة من التكاليف ، نحو خمسة وعشرين حكما ، بعضها أصلي ، وبعضها فرعي ، وابتدأ منها بالتوحيد بقوله : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) وختم به بقوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) إشارة إلى أنه رأس الأمور وأساسها ، وما عداه من الأحكام مبني عليه ، ولما كان حق الوالدين آكد الحقوق ، بعد حق الله ورسوله ، ذكر بعد التوحيد وشدد فيه ، دون بقية التكاليف ، لأن أمر العقوق فظيع ، وفيه الوعيد الشديد ، ففي الحديث «قل لعاق والديه يفعل ما يشاء فإن مصيره إلى النار». قوله : (أمر)