ارْحَمْهُما كَما) رحماني حين (رَبَّيانِي صَغِيراً) (٢٤) (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) من إضمار البر والعقوق (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) طائعين لله (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) الرجاعين إلى طاعته (غَفُوراً) (٢٥) لما صدر منهم في حق الوالدين من بادرة وهم لا يضمرون عقوقا (وَآتِ) أعط (ذَا الْقُرْبى) القرابة (حَقَّهُ) من البر والصلة (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) (٢٦) بالإنفاق في غير طاعة الله (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) أي على طريقتهم (وَكانَ
____________________________________
أي ادع لهما بالرحمة ، ولو في كل يوم وليلة خمس مرات ، ولو كافرين إذا كانا حيين ، لأن من الرحمة أن يهديهما للإسلام. قوله : (كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) الكاف للتعليل ، أي من أجل أنهما رحماني حين ربياني صغيرا. روي أن رجلا قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن أبوي بلغا مني في الكبر ، أني ألي منهما ما وليا مني في الصغر ، فهل قضيت حقهما؟ قال : لا ، فإنهما كان يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك ، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما.
قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) هذا وعد ووعيد ، والمعنى لا عبرة بادعاء البر باللسان ، فإن الله عالم بالسرائر. قوله : (طائعين لله) أي في حق الوالدين. قوله : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) مرتب على محذوف ، والتقدير وفعلتم معهما خلاف الأدب. قوله : (الرجاعين إلى طاعته) وقيل هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلاء ثم يستغفرون منها ، وقيل غير ذلك ، وفي الحقيقة الأواب هو التواب. قوله : (من بادرة) البادرة الزلة تقع خطأ. قوله : (وهم لا يضمرون عقوقا) الجملة حالية.
قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى) لما قدم حق الله وحق الوالدين ، ذكر حق الأقارب وغيرهما ، وحق المساكين وأبناء السبيل الأجانب ، والخطاب في هذه الآيات ، إما للنبي والمراد هو وأمته ، لأن الأصل عدم الخصوصية ، أو للمكلف والأمر للوجوب عند أبي حنيفة ، فعنده يجب على الموسر مواساة أقاربه المحارم ، كالأخ والأخت ، وللندب عند غيره ، ومحل الخلاف في المواساة بالمال بأن ينفق عليهم ، وأما صلتهم بمعنى عدم مقاطعتهم ومعاداتهم ، فواجبة إجماعا ، كنفقة الأصول والفروع ، والآية شاملة لذلك كله. قوله : (من البر) أي الإحسان بالمال ، وقوله : (والصلة) أي مطلقا فهو عطف عام على خاص. قوله : (وَالْمِسْكِينَ) المراد به ما يشمل الفقير ، والمعنى وآت المسكين حقه من البر والإحسان على حسب الطاقة ، فإن ذلك من أوصاف المتقين ، قال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) إلى أن قال (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). قوله : (وَابْنَ السَّبِيلِ) أي الغريب ، وسمي بذلك لأنه ملازم للطريق فكأنه ابن لها. قوله : (في غير طاعة الله) أي كالمعاصي والشهوات المستغنى عنها ، بأن يزيد في الإنفاق على المباح ، وهذا مذموم إذا كان المال حلالا أما إن كان حراما ، فلا يجوز له الإنفاق منه أصلا ، بل يجب عليه أن يرده لأربابه.
قوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ) إلخ ، هذا غاية في الذم. قوله : (كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) أي ولم يزالوا كذلك ، والمعنى أن المبذرين يشبهون الشياطين ، في أن كلا منهما ضل في نفسه وأضل غيره ، فالشياطين صرفوا هممهم وقوتهم وما أنعم الله عليهم به من معاصي الله ولم يصلحوا ، والمبذرون صرفوا أموالهم فيما يغضب الله تعالى وأفسدوا ولم يصلحوا. قوله : (أي على طريقتهم) أي مقتدين بهم وملازمين لأفعالهم ، لأن الملازم للشيء يسمى