أحدا (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) يبين له ما يجب عليه (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) منعميها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا (فَفَسَقُوا فِيها) فخرجوا عن أمرنا (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) بالعذاب (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٦) أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها (وَكَمْ) أي كثيرا (أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ) الأمم (مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (١٧) عالما ببواطنها وظواهرها ، وبه يتعلق بذنوب (مَنْ كانَ يُرِيدُ) بعمله (الْعاجِلَةَ) أي الدنيا (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) التعجيل له بدل من له بإعادة الجار (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ) في الآخرة (جَهَنَّمَ يَصْلاها) يدخلها (مَذْمُوماً) ملوما (مَدْحُوراً) (١٨) مطرودا عن الرحمة (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) عمل عملها اللائق بها (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) حال (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ
____________________________________
الدعوة ، فمن لم تبلغه الدعوة ، لا تجب عليه عبادة ، ولا تصح منه ، لو فعلها فلا يثاب عليها ، وعموم هذه الآية ، يدل على أن أهل الفترة جميعا ناجون بفضل الله ، ولو غيروا وبدلوا ، وما ورد من تخصيص بعض أفراد ، كحاتم الطائي وامرىء القيس بدخولهم النار ، فهي أحاديث آحاد لا تعارض القطعي. قوله : (مُتْرَفِيها) الترفه بالضم النعمة والطعام الطيب والشيء الظريف. قوله : (منعميها) أي المنهكمين في شهواتها ، الغافلين عن الآخرة. قوله : (بالطاعة) متعلق بأمرنا. قوله : (بإهلاك أهلها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، أي دمرنا أهلها.
قوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا) كم خبرية منصوبة بأهلكنا ، و (مِنَ الْقُرُونِ) تمييز لكم. قوله : (مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) خص بالذكر لأنه أول من كذبه قومه. قوله : (وَكَفى بِرَبِّكَ) الباء زائدة في الفاعل ، و (خَبِيراً بَصِيراً) تمييزان ، و (بِذُنُوبِ) متعلق بخبيرا بصيرا ، وقوله : (عالما ببواطنها وظواهرها) لف ونشر مرتب ، فالعلم بالبواطن هو معنى الخبير ، وبالظواهر هو معنى البصير. قوله : (وبه يتعلق بذنوب) هكذا في النسخ التي بأيدينا ، ولعل فيه تحريفا ، والأصل بذنوب متعلق بخبيرا بصيرا.
قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) أي من كان حظه الدنيا ، فهو صادق بالكافر والمنافق ، ويدخل في ذلك المراؤون بأعمالهم ، إذ لو لا المدحة والثناء عليهم ما فعلوا الطاعات. قوله : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) أي أعطينا لمن نريد في الدنيا الذي نشاؤه ، من سعة رزق وعافية وغير ذلك ، والمعنى لا نزيده على ما قدر له أزلا ، بل ما يعطى إلا ما سبق في عمله تعالى أنه يعطاه ، فمحبته في الدنيا لم تزده شيئا منها ، فينبغي الإخلاص في العبادة والتوجه لله تعالى والإقبال عليه ، ليخطى بسعادة الدارين. قوله : (بدل من له) أي إن قوله : (لِمَنْ نُرِيدُ) بدل من قوله : (لَهُ) بدل بعض من كل بإعادة اللام ، وقوله : (عَجَّلْنا) جواب الشرط وهو (مَنْ) و (كانَ) فعله و (يُرِيدُ) خبر (كانَ) واسمها ضمير مستتر.
قوله : (ثُمَّ جَعَلْنا) أتى بثم إشارة إلى أن دخول النار متأخر. قوله : (ملوما) أي أن الخلق في القيامة يلومونه على ما حصل منه في الدنيا. قوله : (مَدْحُوراً) من دحر يدحر من باب خضع ، فهو مدحور ، بمعنى أن الله طرده وأبعده عن جنته. قوله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) أي من كان حظه ونيته ومنتهى آماله الدار الآخرة ، بأن لم يجعل الدنيا قرارا له ولا وطنا ، بل جعلها سفينة موصلة لمقصوده. قوله : (سَعْيَها) إما مفعول به أو مفعول مطلق ، والمعنى كما قال المفسر ، عمل عملها الذي يليق بها ؛ كأعمال