ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً) مكتوبا فيه عمله (يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١٣) صفتان لكتابا ويقال له (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤) محاسبا (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) لأن ثواب اهتدائه لها (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) لأن إثمة عليها (وَلا تَزِرُ) نفس (وازِرَةٌ) آثمة أي لا تحمل (وِزْرَ) نفس (أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ)
____________________________________
منهم ، سموا نفس الخير والشر بالطائر ، تسمية للشيء باسم لازمه. قوله : (خص بالذكر لأن اللزوم فيه أشد) أي ولأن العنق إما محل الزينة كالقلادة ونحوها ، أو للشين كالأغلال ونحوها ، فإن كان عمله خيرا ، كان كالقلادة في عنقه ، وهو مما يزينه ، وإن كان شرا ، كان كالغل في عنقه ، وهو مما يشينه. قوله : (مكتوب فيها شقي أو سعيد) خص مجاهد السعادة والشقاوة ، وإن كان الرزق والأجل مكتوبين فيها أيضا ، لأن السعادة أو الشقاوة ، هما اللذان يبقيان معه في الآخرة ، وأما الرزق والأجل فيقتضيان بموته. قوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً) قال الحسن : بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ عليك سيئاتك ، حتى إذا مت ، طويت صحيفتك وجعلت معك في قبرك ، حتى تخرج لك يوم القيامة.
قوله : (اقْرَأْ كِتابَكَ) روي أن الإنسان يقرأ كتابه ، وإن لم يكن قارئا في الدنيا. قوله : (كَفى بِنَفْسِكَ) الباء زائدة في فاعل كفى ، و (حَسِيباً) تمييز ، و (عَلَيْكَ) متعلق به ، وحسيبا بمعنى حاسب أو كاف أو محاسب كما قال المفسر ، والمعنى أنه يكتفي بمحاسبة الشخص لنفسه ، فلا يحتاج لأحد يحاسبه ، بل إذا أنكر ، تشهد عليه أعضاؤه بما علمت ، ثم ما مشى عليه المفسر ، من أن المراد بالطائر ، العمل يكتب ويوضع في عنقه وهو في بطن أمه ، فيلزمه ما دام في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة ، يخرج له كتابا من خزانة تحت العرش ، وهو الصحيفة التي كانت الملائكة تكتبها عليه في الدنيا ، فيأخذها إما بيمينه إن كان مسلما ، أو بشماله إن كان كافرا ، فيقابله على ما في عنقه ، هو أحد تفسيرين في الآية ، والآخر أن الكتاب واحد ، تكتبه الملائكة عليه ما دام في الدنيا ، فإذا مات طوي ووضع تحت العرش ، فإذا كان يوم القيامة ، أخرج من تلك الخزانة وألزمه في عنقه ، فيكون معنى ألزمناه طائره في عنقه ، أي في يوم القيامة عند تطاير الصحف ، ويكون عطف قوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) على ما قبله من عطف السبب على المسبب. قوله : (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي فإنما تعود منفعة اهتدائه إلى نفسه لا تتعداه إلى غيره. قوله : (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي فإنما وبال ضلاله على نفسه ، لا على من عداه ممن لم يباشر ، وهذا تحقيق معنى قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس مذنبة ، بل ولا غير مذنبة ، ذنوب نفس أخرى. إن قلت : ورد في الحديث «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» فمضاه أنه يحمل وزره فيكون منافيا لهذه الآية. أجيب : بأن المراد بالوزر الذي يحمله في الحديث وزر التسبب ، ولا شك أن التسبب من فعل الشخص ، ومع ذلك فلا ينقص من وزر الفاعل شيء ، فالمتسبب الفاعل يعاقب على فعله وتسببه ، والفاعل بدون تسبب يعاقب على فعله فقط.
قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) أي ولا مثيبين على الأعمال ، لأن شرط صحة العبادات ووجوبها بلوغ