كدعائه له (بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ) الجنس (عَجُولاً) (١١) بالدعاء على نفسه وعدم النظر في عاقبته (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) دالتين على قدرتنا (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) طمسنا نورها بالظلام لتسكنوا فيه ، والإضافة للبيان (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أي مبصرا فيها بالضوء (لِتَبْتَغُوا) فيه (فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) بالكسب (وَلِتَعْلَمُوا) بهما (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) للأوقات (وَكُلَّ شَيْءٍ) يحتاج إليه (فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (١٢) بيناه تبيينا (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) عمله يحمله (فِي عُنُقِهِ) خص بالذكر لأن اللزوم فيه أشد ، وقال مجاهد : ما من مولود يولد إلا وفي عنقه
____________________________________
على التشبيه ، والمعنى أن الإنسان إذا أصابه الغم ، يدعو على نفسه وأهله بالشر ، كما يدعو لهم بالخير ، إذا كان منبسطا راضيا ، وتقدم في قوله تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) الآية ، إن الله يستجيب الدعاء بالخير ، ولا يستجيب الدعاء بالشر. قوله : (عَجُولاً) أي لا يتأمل في عاقبة ما يريد فعله ، بل يقدم على فعل كل ما خطر بباله ، فإذا كان كذلك ، فينبغي للإنسان التأني في الأمور ، وتفويضها إلى الله تعالى ، ليحصل له الراحة في الدنيا ، والسعادة في العقبى ، ولا يتعجل في الأمور ، يحيث يسارع إلى الانتقام ممن ظلمه ، والدعاء على من أساء إليه ، بل الواجب ، إما التفويض أو الدعاء للظالم بالهداية والتوفيق للخير.
قوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) أي علامتين على عظيم قدرتنا وباهر حكمتنا ، حيث جعلناهما على منوال واحد ، ينقص هذا ويزيد هذا. قوله : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) أي خلقناه على هذه الحالة ، وليس المراد أنه كان مضيئا ثم محي ضوؤه ، وفي الحقيقة في الكلام حكمتان ، الأولى : حكمة خلق الليل والنهار من حيث ذاتهما ، وهي الدلالة على باهر قدرة صانعهما. الثانية : حكمة كون الليل خلق مظلما ، والنهار خلق مضيئا ، وهي لتسكنوا في الليل ، ولتبتغوا من فضله في النهار. قوله : (لتسكنوا فيه) قدره أخذا له من مقابله ، وهو قوله في جانب النهار لتبتغوا ، الخ. قوله : (والإضافة للبيان) أي آية هي الليل ، وكذا يقال في آية النهار. قوله : (أي مبصرا فيها) هو بفتح الصاد ، وأشار بذلك إلى أن الكلام فيه الحذف ، والإيصال حذف الجار فاتصل الضمير ، فيكون فيه مجاز عقلي ، من إسناد الحدث إلى زمانه.
قوله : (لِتَبْتَغُوا) أي تطلبوا. قوله : (وَلِتَعْلَمُوا) (بهما) أي فهو متعلق بكل من محونا وجعلنا ، لأن علم عدد السنين والحساب ، بمرور الليل والنهار جميعا. قوله : (وَالْحِسابَ) هو معطوف على (عَدَدَ) ولا يقال هو تكرار ، لأنه يقال : إن العدد موضوع الحساب. قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ) الأحسن أنه من باب الاشتغال ، فكل منصوب بفعل محذوف يفسره. قوله : (فَصَّلْناهُ) وكذا يقال في قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ). قوله : (للأوقات) أي كآجال الديون ، وأوقات الصلاة ، والحج والصوم والزكاة ، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا. قوله : (تَفْصِيلاً) مصدر مؤكد لعامله ، إشارة إلى أن الله لم يترك شيئا من أمور الدين والدنيا ، إلا بينه نظير قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).
قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) فسر المفسر الطائر بالعمل ، وفسره غيره بالكتاب ، وإليه يشير بقول مجاهد : وسمي العمل طائرا ، إما لأن العرب إذا أرادوا فعل أمر ، نظروا إلى الطير إذا طار ، فإن طار متيامنا ، قدموا على ذلك الأمر ، وعرفوا أنه خير ، وإن طار متياسرا ، تأخروا وعرفوا أنه شر ، فلما كثر ذلك