الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي) أي للطريقة التي (هِيَ أَقْوَمُ) أعدل وأصوب (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (٩) (وَ) يخبر (أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا) أعددنا (لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٠) مؤلما هو النار (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ) على نفسه وأهله إذا ضجر (دُعاءَهُ) أي
____________________________________
فسألته أن يأتيها برأس يحيى في طست ففعل. وفي الحديث : لا خير في الدنيا ، فإن يحيى بن زكريا قتلته امرأة ، فسلط الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش ، فسار إليهم بأهل بابل ، فدخل عليهم الشام ، فلما ظهر عليهم ، أمر رأسا من رؤساء جنوده يقال له بيروزاذن ، فدخل بيت المقدس ، فقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم ، فوجد فيها دما يغلي ، فسألهم عنه فقال : يا بني إسرائيل ، ما شأن هذا الدم يغلي؟ أخبروني خبره ، فقالوا : هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك يغلي ، فقال : ما صدقتموني ، وقتل منهم سبعمائة وسبعين روحا ، فلم يهدأ الدم ، فأمر بسبعمائة غلام من غلمانهم ، فذبحهم على الدم ، فلم يهدأ ، فقال لهم : يا بني إسرائيل ، ويلكم اصدقوني قبل أن لا أترك منكم نافخ نار ، من ذكر ولا أنثى إلا قتلته ، فأخبروه أنه دم يحيى بن زكريا ، قال : الآن صدقتموني لمثل هذا ينتقم منكم ربكم ، وآمن بالتوراة وقال لمن حوله : أغلقوا أبواب المدينة ، وأخرجوا من كان هنا من جيش خردوش ، ثم قال : يا يحيى بن زكريا ، قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم ، فأهدأ بإذن ربك ، قبل أن لا أبقي من قومك أحدا ، فهدأ الدم بإذن الله ، ورفع القتل عن بني إسرائيل وقال لهم : إن خردوش أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكري ، وإني لا أستطيع أن أعصيه ، فأمرهم فحفروا خندقا ، وأتوا بالخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم ، فأمر بذبحها حتى سال الدم في العسكر ، وأمر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك ، فطرحوا على ما قتل من المواشي ، فلم يظن خردوش ، إلا أن ما في الخندق من دماء بني إسرائيل ، فاكتفى بذلك وأمر برفع القتل ، وهذه هي الواقعة الأخيرة التي أنزل الله فيها (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) الخ. ثم انتقل الملك بالشام ونواحيها ، إلى الروم واليونانيين ، إلا أن بقايا بني إسرائيل كثير ، وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على وجه الملك ، وكانوا في نعمة ، إلى أن بدلوا وأحدثوا ، فسلط الله عليهم ططوس بن اسبيانوش الرومي ، فخرب بلادهم وطردهم عنها ، ونزع الله منهم الملك والرياسة ، وضرب عليهم الذلة ، فليسوا في أمة إلا وعليهم الصغار والجزية ، وبقي بيت المقدس خرابا ، إلى خلافة عمر بن الخطاب ، فعمره المسلمون بأمره اه.
قوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ) أي الذي أنزل على محمد. قوله : (يَهْدِي) أي يرشد ويوصل. قوله : (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي فمن تمسك به نجا ، ومن حاد عنه هلك ففي الحديث «إني تارك فيكم ثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا ، كتاب الله وعترتي». قوله : (أَجْراً كَبِيراً) أي لا يعلم قدره غيره اتعالى ، وهذا الأجر ثابت لمن عمل الصالحات ، وإن لم يكن حافظا لألفاظ القرآن ، بل المدار على امتثال الأوامر واجتناب النواهي. قوله : (وَ) (يخبر) أشار بذلك إلى أن قوله : (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الخ ، معطوف على (يُبَشِّرُ) فهو غير داخل في حيز البشارة. قوله : (أعددنا) أي هيأنا وأحضرنا.
قوله : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) حذفت الواو لالتقاء الساكنين ، وحذفت من الخط ، تبعا لحذفها من اللفظ. قوله : (إذا ضجر) أي أصابه شدة الغم والغيظ. قوله : (أي كدعائه) أشار بذلك إلى أن الكلام