____________________________________
فأوحى الله إلى أرميا ، أن ائت قومك من بني إسرائيل ، فاقصص عليهم ما آمرك به ، إلى أن قال : وإني حلفت بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم ، ولأسلطن عليهم جبارا قاسيا ، البسه الهيبة ، وأنزع من صدره الرحمة ، فسلط الله عليهم بختنصر ، فخرج في ستمائة الف راية ، ودخل بيت المقدس بجنوده ، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ، وخرب بيت المقدس ، وكان من أجل البيوت ، ابتناه الله لسليمان بن داود عليهماالسلام ، سخر له الجن فأتوه بالذهب والفضة والمعادن ، وأتوه بالجوهر والياقوت والزمرد ، وبنوه بهذه الأصناف ، فاحتمل تلك المعادن والأموال ، على سبعين ألفا ومائة الف عجلة ، فأودعها ببابل ، وأقاموا يستخدمون بني إسرائيل بالخزي والنكال مائة عام ، إلى أن قال فذلك قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يعني بختنصر وأصحابه ، ثم إن بختنصر ، قام في سلطانه ما شاء الله ، ثم رأى رؤيا عجيبة ، إذ رأى شيئا أصابه فأنساه الذي رأى ، فدعا دانيال وحنانيا وعزازيا وميشايل ، وكانوا من ذراري الأنبياء ، وسألهم عنها فقالوا : أخبرنا بها نخبرك بتأويلها قال : ما أذكرها ، ولئن لم تخبروني بها وبتأويلها لأنزعن أكتافكم ، فخرجوا من عنده فدعوا الله فأعلمهم بالذي سألهم ، فجاؤوا فقالوا : رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار ، وركبتاه وفخذاه من نحاس ، وبطنه من فضة ، وصدره من ذهب ، ورأسه وعنقه من حديد ، قال : صدقتم ، قالوا : فبينما أنت تنظر إليه قد أعجبك ، أرسل الله عليه صخرة فدقته ، فهي التي أنستكها ، قال : صدقتم فما تأويلها؟ قالوا : إنك أريت ملك الملوك ، بعضهم كان ألين ملكا ، وبعضهم كان أحسن ملكا ، وبعضهم كان أشد ملكا ، فالفخار أضعفه ، ثم فوقه النحاس أشد منه ، ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك ، والذهب أحسن من الفضة ، ثم الحديد ملكك فهو أشد مما كان قبله ، والصخرة التي رأيت ، أرسل الله من السماء فدقته نبي يبعثه الله فيدق ذلك أجمع ، ويصير الأمر إليه ، فلما تجبر بختنصر على أهل الأرض ، ظن أنه بحوله وقوته ، فقال لأصحابه : قد ملكت الأرض فأخبروني كيف لي أن أطلع إلى السماء العليا ، فأقتل من فيها وأتخذها ملكا ، فبعث الله عزوجل إليه بعوضة ، فدخلت في منخره ، حتى عضت على أم دماغه ، فما كان يقر ولا يسكن حتى مات ، فلما مات ، شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ، وارتحل من بقي من بني إسرائيل إلى الشام ، وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه ، وكانت التوراة قد حرقت ، وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل ، فلما رجع إلى الشام ، جعل يبكي ليله ونهاره ، وخرج عن الناس ، فبينما هو كذلك ، إذ جاءه ملك على صورة رجل فقال له : يا عزير ما يبكيك؟ قال : أبكي على كتاب الله وعهده الذي لا يصلح ديننا وآخرتنا غيره ، قال : أفتحب أن يرد إليك؟ ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك ، ثم موعدك هذا المكان غدا ففعل ، فأتى ذلك الرجل بإناء فيه ماء ، فسقاه من ذلك الماء ، فمثلت التوراة في صدره ، فرجع إلى بني إسرائيل ، فأملاها لهم وعادت كما كانت ، ورجعت بنو إسرائيل لكثرة الأحداث والمعاصي ، يكذبون الأنبياء ويقتلونهم ، وكان آخر من بعث إليهم : زكريا ويحيى وعيسى ، فقتلوا زكريا ويحيى ، وقصدوا إلى قتل عيسى ، فرفعه الله ، والسبب في قتل يحيى : أن ملك بني إسرائيل ، كان يكرمه ويدني مجلسه ، وأن الملك هوى بنت امرأته ، وقيل بنت أخيه ، فسأل يحيى تزويجها ، فنهاه عن نكاحها ، فبلغ ذلك أمها ، فحقدت على يحيى ، وعمدت حين جلس الملك من شرابه ، فألبستها ثيابا رقاقا حمرا ، وطيبتها وألبستها الحلي ، وأرسلتها إلى الملك ، وأمرتها أن تسقيه ، فإن هو راودها عن نفسها ، أبت عليه حتى يعطيها ما تسأله ،