فقلت أي رب خفف عن أمتي فحط عن خمسا فرجعت إلى موسى قال ما فعلت؟ فقلت قد حط خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحط عني خمسا خمسا حتى قال «يا محمد هي خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشرة فتلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب فإن عملها كتبت له سيئة واحدة. فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت. رواه الشيخان واللفظ لمسلم. وروى الحاكم في
____________________________________
ناجيت فيه ربي ، وليس المراد أن الله في ذلك المكان ورجع له ، فإن اعتقاد ذلك كفر ، بل المراد أن الله جعل هذا المكان محلا لسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم يناجيه فيه ، ليجمع له بين الرفعتين الحسية والمعنوية. قوله : (ويحط عني) أي الله تعالى ، فجملة المرات تسع ، وكل مرة يرى فيها ربه كما رآه في المرة الأولى ، فقد رأى ربه في تلك الليلة عشر مرات. قوله : (حتى قال) الخ هذا حديث قدسي من هنا إلى قوله : (كتبت سيئة واحدة). قوله : (بكل صلاة عشر) أي في المضاعفة والثواب ، فقد تفضل سبحانه وتعالى بتكثير الثواب على تلك الخدمة القليلة. قوله : (ومن هم بحسنة) المراد بالهم ترجيح الفعل دون عزم وتصميم ، لأنه الذي يكتب في الخير ولا يكتب في الشر ، وأما العزم والتصميم فيكتب في الخير والشر ، وأما الهاجس والخاطر وحديث النفس ، فلا يؤاخذ الإنسان بها ، لا في خير ولا شر ، وقد نظم بعضهم الخمسة بقوله :
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا |
|
فخاطر فحديث النفس فاستمعا |
يليه همّ كلها رفعت |
|
سوى الأخير ففيه الأخذ وقد وقعا |
قوله : (فنزلت) في بعض الروايات إن الله قال له : قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. قوله : (استحييت) بيائين بعد الحاء المهملة. قوله : (رواه الشيخان) أي البخاري ومسلم. والمعنى رويا معنى حديث الإسراء واتفقا عليه. قوله : (واللفظ لمسلم) أي وأما البخاري ففيه تغيير لبعض الألفاظ. قوله : (رأيت ربي) أي بعيني رأسي ، وأتي بهذا الحديث تتميما للقصة ، ثم بعد تمام الأمر ، هبط من السماوات السبع إلى بيت المقدس ، فركب البراق وأتى مكة قبيل الصبح ، فلما أصبح قطع ، وعرف أن الناس تكذبه ، فقعد حزينا ، فمر أبو جهل فجلس إليه فقال له كالمستهزىء هل كان من شيء؟ قال : نعم أسري بي الليلة ، قال : إلى أين؟ قال : إلى بيت المقدس ، قال : ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قال : نعم ، فقال أبو جهل : إذا دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني به؟ قال نعم ، فقال : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا ، فجاؤوا حتى جلسوا إليهما ، فحدثهم صلىاللهعليهوسلم بذلك : بقي الناس بين مصفق ، وواضع يديه على رأسه متعجبا ، وضجوا لذلك وعظموه ، فجاء أبو بكر فحدثه صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال : صدقت صدقت ، فقالوا : أتصدقه إنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ فقال : نعم أني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فلذلك سمي الصديق ، فقال القوم : صف لنا بيت المقدس ، فشرع في وصفه ، حتى إن جبريل نقله من مكانه ووضعه بين يديه صلىاللهعليهوسلم ، وجعل ينظر إليه ويصف لهم ، فقال القوم : أما النعت فو الله لقد أصاب ، ثم قالوا : أخبرنا عن عيرنا ، فأخبرهم عنها تفصيلا ،