يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلاع فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع يصفها من حسنها قال فأوحى الله إلي ما أوحى وفرض عليّ في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة. قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال فرجعت إلى ربي
____________________________________
غراسها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. قوله : (وإذا هو) القصد من ذلك بيان أن الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ، قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ). قوله : (ثم ذهب بي) أي عرج بي ، لأن هذا هو المعراج الثامن. قوله : (إلى سدرة المنتهى) أي إلى أعلاها ، فإن السدرة أصلها في السماء السادسة ، وأغصانها وفروعها فوق السماء السابعة. قوله : (كآذان الفيلة) أي في الشكل ، وإلا فكل ورقة تظلل هذه الأمة. قوله : (كالقلال) جمع قلة وكانت معلومة عند المخاطبين ، وفي بعض الروايات كقلال هجر ، وهي بلدة القلة فيها كالري الكبير. قوله : (فلما غشيها) أي قام بها من الحسن والبهاء. قوله : (قال فأوحى) فيه اختصار ، أي ثم رفع إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام ، وهو المعراج التاسع ، ثم دلى الرفرف فزج به في النور ، فعند ذلك تأخر جبريل فقال له : أهنا يفارق الخليل خليله؟ فقال له : هذا مكاني فلو فارقته لاحترقت من النور ، أي ذهب نوري وتلاشيت لشدة الأنوار وظهورها ، قال رسول الله : فخاطبني ربي ورأيته بعيني بصري وأوحى الخ. قوله : (ما أوحى) أبهم ذلك إشارة إلى عظم ما أوحى به إليه ، وعدم إحاطة جميع الخلق به ، قال البوصيري :
فإن من جودك الدنيا وضرتها |
|
ومن علومك علم اللوح والقلم |
قوله : (وفرض علي) الخ ، عطف خاص على عام ، وإنما صرح به لتعلقه بالأمة ، وأما عطاياه التي تخصه فلم يعبر عنها ، إذ لا تحيط بها العبارة ولا تحصيها الإشارة ، وقوله : (عليّ) أي وعلى أمتي لأن الأصل عدم الخصوصية إلا لدليل يدل على التخصيص ، فذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته. قوله : (فنزلت) أي ومررت على إبراهيم فلم يقل شيئا. قوله : (إلى موسى) أي في السماء السادسة ، والحكمة في أن موسى اختص بالمراجعة دون غيره من الأنبياء ، أن أمته كلفت من الصلوات بما لم يكلف به غيرها فثقلت عليهم ، فرفق موسى بأمة محمد صلىاللهعليهوسلم لكونه طلب أن يكون منها ، وأيضا فقد طلب موسى الرؤية فلم ينلها ، ومحمد نالها من غير طلب ، فأحب مراجعته وتردده ليزداد من نور الرؤية ، فيقتبس موسى من تلك الأنوار ، ليكون رائيا من رأى ، قال ابن الفارض :
أبق لي مقلة لعلي يوما |
|
قبل موتي أرى بها من رآك |
وفي هذا المعنى قال ابن وفا :
والسر في قول موسى إذ يردده |
|
ليتجلي النور فيه حيث يشهده |
يبدو سناه على وجه الرسول فيا |
|
لله حسن جمال كان يشهده |
قوله : (وخبرتهم) أي جربتهم ، حيث كلفهم الله بركعتين في الغداة ، وركعتين في وقت الزوال ، وركعتين في العشي ، فلم يطيقوا ذلك وعجزوا عنه. قوله : (قال فرجعت إلى ربي) أي إلى المكان الذي