عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى فإنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند
____________________________________
التكلم في قوله : (مِنْ آياتِنا). الرابع من التكلم إلى الغيبة في قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ومن في قوله : (مِنْ آياتِنا) للتبعيض ، أي لنريه بعض آياتنا ، وإنما أتى بها تعظيما لآيات الله ، أي أن محمدا ، وإن ما رأى ، من الآيات العظيمة والعجائب الفخيمة ، فهو بعض بالنسبة لآيات الله ، وعجائب قدرته ، وجلائل حكمته. إن قلت : إن ما هنا يقتضي التبعيض ، وقوله تعالى في حق إبراهيم (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أنه لا تبعيض ، فظاهر هذا ، أن ما رآه إبراهيم ، أكثر مما رآه محمد ، وهو خلاف الإجماع. أجيب : بأن ملكوت السماوات والأرض ، بعض الآيات العظيمة التي رآها محمد ، فإبراهيم رأى بعض البعض.
قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) المشهور أن الضمير عائد على الله تعالى ، أي هو السميع للأقوال ، البصير بالأحوال والأفعال ، وقيل الضمير عائد على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وحكمة الإتيان بهذين الوصفين ، الثناء على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حيث شاهد ما شاهد ، وسمع ما سمع ، ولم يزغ بصره ، ولم يدهش سمعه ، فهو نظير قوله تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) إشار إلى علو مقامه ورفعة شأنه ، ولذا قال العارف البرعي :
وإن قابلت لفظة لن تراني |
|
بما كذب الفؤاد فهمت معنى |
فإن الله كلم ذاك وحيا |
|
وكلم ذا مشافهة وأدنى |
إلى أن قال :
فموسى خر مغشيا عليه |
|
وأحمد لم يكن ليزيغ ذهنا |
قوله : (على اجتماعه بالأنبياء) أي الرسل وغيرهم وصلوا خلفه. قوله : (وعروجه إلى السماء) أي صعوده إليها محفوفا بالملائكة الكرام. قوله : (ورؤية عجائب الملكوت) أي كالملائكة والجنة والنار. واعلم أن العوالم أربع : عالم الملك وهو ما نشاهده ، وعالم الملكوت وهو ما خفي عنا ، وعالم الجبروت وهو العلوم والأسرار ، وعالم العزة وهو ما لا يمكن التعبير عنه كذات الله ، ويسمى سر سر السر. قال السيد البكري : وبسر سر سرك الذي لا تفي بالافصاح عن حقيقته الرقائق. قوله : (ومناجاته له تعالى) أي شفاها مع رفع الحجاب. قوله : (فإنه صلىاللهعليهوسلم) الخ ، القصد على ذلك تفصيل ما أجمل في الآية الكريمة ، وقد اختلفت الروايات في الإسراء والمعراج جدا ، وقد اقتصر المفسر على هذه الرواية ، لكونها رواية البخاري ومسلم. قوله : (أتيت بالبراق) أي بعد أن جاءه جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر ، فاحتملوه حتى جاؤوا به زمزم ، فأضجعوه وشقوا من ثغرة نحره إلى أسفل بطنه ، وأخرجوا قلبه وغسلوه ثلاث مرات ، ثم ملؤوه حلما وعلما ويقينا وإسلاما ، ثم أطبقوه وختموا بين كتفيه بخاتم النبوة ، ثم أتى بالبراق بضم الباء مأخوذة من البرق لسرعة سيره ، أو من البريق لشدة صفاء لونه ولمعانه ، وهو من جملة أربعين ألف براق ، ترتع في ربض الجنة معدة له صلىاللهعليهوسلم. قوله : (دابة) أي ليست ذكرا ولا أنثى ، وفي الاستعمال يجوز التذكير ، باعتبار كونه مركوبا ، ويؤنث باعتبار كونه دابة. قوله : (فوق الحمار ودون البغل) أي وهو متوسط بينهما ، قوله :