الظرف والإسراء سير الليل وفائدة ذكره الإشارة بتنكيره إلى تقليل مدته (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي مكة (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) بيت المقدس لبعده منه (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) بالثمار والأنهار (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) عجائب قدرتنا (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) أي العالم بأقوال النبي صلىاللهعليهوسلم وأفعاله فأنعم
____________________________________
المقامات الشريفة كما هنا ، وفي مقام الوحي قال تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وفي مقام الدعوة قال تعالى ، وأنه لما قام عبد الله يدعوه الخ ، ولذا قال القاضي عياض :
ومما زادني شرفا وتيها |
|
وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي |
|
وأن صيرت أحمد لي نبيا |
وهناك وجه آخر ، وهو خلاف ضلال أمته به ، كما ضلت أمة عيسى به حيث قالوا : ابن الله ، وقوله : (بِعَبْدِهِ) أي بروحه وجسمه على الصحيح ، خلافا لمن قال : إن الإسراء بالروح فقط ، ونقل عن عائشة وهو مردود ، بأنها كانت حديثه السن إذ ذاك ، ولم تكن في عصمته صلىاللهعليهوسلم. قوله : (محمد) إنما لم يصرح به لعلمه من السياق ، ومن سبب النزول. قوله : (وفائدة ذكره) أي مع علمه من ذكر الإسراء. قوله : (إلى تقليل مدته) أي فقيل قدر أربع ساعات ، وقيل ثلاث ، وقيل قدر لحظة ، قال السبكي في تائيته : وعدت وكل الأمر في قدر لحظة.
قوله : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ مِنَ) لابتداء الغاية. قوله : (أي مكة) إنما فسره بذلك ، ليصدق بكل من القولين وهما : هل كان مضطجعا في المسجد ، أو في بيت أم هانىء وفي الحقيقة لا تخالف ، لأنه على القول بأنه كان في بيت أم هانىء ، لقد احتملته الملائكة ، وجاؤوا به إلى المسجد ، وشقوا صدره هناك ، ثم أتوا له بالبراق بعد ذلك ، فلم يحصل الإسراء إلا من المسجد ، فالأولى للمفسر ، أن يبقي الآية على ظاهرها ، وكان المسجد إذ ذاك بقدر المطاف ، ثم وسعه الملوك. وأول من وسع فيه ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فكانوا يشترون دور مكة ويدخلونها فيه.
قوله : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) هو أول مسجد بني في الأرض بعد الكعبة ، بناه آدم بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة ، والحكمة في الإسراء به إلى بيت المقدس ، ليظهر شرفه على جميع الأنبياء والمرسلين ، لأنه صلى بهم إماما في مكانهم ، وشأن الذي يتقدم على الإنسان في بيته ، يكون هو السلطان ، لأن السلطان له التقدم على غيره مطلقا ، وليسهل على أمته المحشر ، حيث وضع قدمه فيه ، فإن الخلق يحشرون هناك. قوله : (بيت المقدس) من إضافة الموصوف لصفته ، أي البيت المقدس ، أي المطهر من عبادة غيره تعالى ، ولذا لم يعبد فيه صنم قط.
قوله : (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) أي بركة دنيوية بالثمار والأنهار كما قال المفسر ، وأما في داخله فليست مختصة به ، بل البركة في كلا المسجدين ، بل هي أتم في المسجد الحرام. قوله : (لِنُرِيَهُ) اللام للحكمة ، أي حكمة إسرائنا به رؤيته من آياتنا ، وعامة القراء على قراءته بالنون ، وقرأ الحسن ليريه بالياء ، فعلى الأول يكون في الكلام التفاتان ، الأول من الغيبة للمتكلم في قوله : (بارَكْنا) و (لِنُرِيَهُ) ، الثاني في قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وعلى الثاني يكون فيه أربع التفاتات : الأول من الغيبة في قوله : (بِعَبْدِهِ) إلى التكلم في قوله : (بارَكْنا). الثاني من التكلم إلى الغيبة في (لِنُرِيَهُ). الثالث من الغيبة إلى