(وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي) أي بالمجادلة التي (هِيَ أَحْسَنُ) كالدعاء إلى الله بآياته والدعاء إلى حججه (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) أي عالم (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٢٥) فيجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال. ونزل لما قتل حمزة ومثل به فقال صلىاللهعليهوسلم وقد رآه : والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك
____________________________________
قوله : (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) عطف خاص على عام ، لأن القرآن مشتمل على مواعظ وغيرها ، والمراد بالموعظة الحسنة الترغيب والترهيب ، والحكمة في ذكر الموعظة الحسنة ، التشويق للعبادة والنشاط لها ، وسهولة العبد عن المخالفات ، لما في الحديث «كان صلىاللهعليهوسلم يتخولنا بالموعظة أحيانا ، مخافة السآمة علينا» أي يخلل كلامه بالترغيب والترهيب في بعض الأحيان ، لئلا يحصل لنا الملل من توالي الأمر والنهي ، وتتابعهما من غير تخللهما بشيء يروح النفوس ويشوقها ، ويحثها على فعل الطاعات واجتناب المنهيات. قوله : (أو القول الرفيق) تفسير ثان للموعظة الحسنة ، والمراد بالقول الرفيق ، الألفاظ التي فيها اللين والرفق كقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) وقوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) الآيات.
قوله : (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ليترتب على ذلك حصول الفائدة لهم ، والانقياد للطريق القويم. قوله : (بآياته) أي كقصة إبراهيم مع قومه ، حيث قال لهم حين جن عليه الليل ورأى كوكبا (هذا رَبِّي) الخ. قوله : (والدعاء إلى حججه) أي براهينه ودلائله ، قال تعالى : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. قوله : (أي عالم) أشار بذلك إلى أن اسم التفضيل ليس على بابه ، ودفع بذلك ما يقال إن اسم التفضيل يقتضي المشاركة ، مع أن صفات الله قديمة ، لا مشارك له فيها. قوله : (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي حاد وزاغ عنه.
قوله : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) حكمة التعبير في جانب أهل الهدى بصيغة الاسم ، وفي جانب أهل الضلال بالفعل ، الإشارة إلى أن أهل الهدى ، استمروا على الفطرة الأصلية ، وأهل الضلال غيروا تلك الفطرة وبدلوها بأحداث الضلال. إن قلت : قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، يقتضي أن الأصل في الإنسان ، الضلال والهدى طارىء عليه. أجيب : بأنه محمول على العالم الجسماني ، أي أن الأصل في الإنسان ، باعتبار عالم الأجساد الخسران والضلال ، والهدى طارىء ببعثة الرسل ، وما في هذه الآية محمول على عالم الأرواح ، وهو الأصل الأصيل ، لأن الله لما خاطب الأرواح في عالم الذر وقال لهم : ألست بربكم؟ قالوا جميعا : بلى ، فالمهتدي فى عالم الأجساد استصحب ذلك الأصل ، ومن ضل في عالم الأجساد ، فقد نسي ذلك العهد ، وتبع شهوات نفسه. ثم اعلم أن مقتضى حل المفسر ، يقتضي أن المدعو بالحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن واحد ، وقال بعضهم : الناس خلقوا ثلاثة أقسام ، الأول العلماء الراسخون ، فهم المشار إليهم بقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) أي العلم النافع ، لينتفعوا وينفعوا الناس. الثاني الذين لم يبلغوا حد الكمال ، وكانوا دون الأوائل ، وهم المشار إليهم بقوله : (الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ). الثالث الكفار أصحاب الجدال والخصام ، وهم المشار إليهم بقوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي لينقادوا للحق ويرجعوا إليه. قوله : (وهذا قبل الأمر بالقتال) أشار بذلك إلى أن الآية منسوخة ، وقيل ليست منسوخة ، وقيل ليست منسوخة ، لأن الأمر بالمجادلة الحسنة ، ليس