العلا (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ) دين (إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٣) كرر ردا على زعم اليهود والنصارى أنهم على دينه (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) فرض تعظيمه (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) على نبيهم وهم اليهود أمروا أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة فقالوا لا نريده واختاروا السبت فشدد عليهم فيه (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٢٤) من أمره بأن يثيب الطائع ويعذب العاصي بانتهاك حرمته (ادْعُ) الناس يا محمد (إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) دينه (بِالْحِكْمَةِ) بالقرآن (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) مواعظه أو القول الرفيق
____________________________________
قوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) هذا هو الوصف العاشر ، ولما كان أعلى الأوصاف لإبراهيم وأجلها وأكملها ، اتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ملته ، فصله عما قبله ، حيث عطفه بثم. قوله : (أَنِ اتَّبِعْ) يصح أن تكون (أَنِ) تفسيرية أو مصدرية ، فتكون مع ما دخلت عليه في محل نصب مفعول لقوله : (أَوْحَيْنا). قوله : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي شريعته ، ومعنى اتباع النبي فيها اتباعه في الأصول ، وهي عقائد التوحيد ، فرسول الله أمر باتباع إبراهيم ، بل وباتباع من تقدمه من الأنبياء في التوحيد ، لأنهم مشتركون فيه ، قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) الآية. قوله : (حَنِيفاً) حال من (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) وهو وإن كان مضافا إليه ، إلا أن شرطه موجود ، وهو أن المضاف كالجزء من المضاف إليه ، لأنه يصح الاستغناء بالثاني عن الأول. قوله : (ردا على زعم اليهود والنصارى) المناسب أن يقول ردا على المشركين ، لأن اليهود والنصارى لم يكونوا مدعين الإشراك.
قوله : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) الخ ، هذا رد على اليهود ، حيث كانوا يدعون أن تعظيم السبت من شريعة إبراهيم ، وهم متبعون له ، فرد الله عليهم بأنه ليس السبت من شريعة إبراهيم التي زعمتم أنكم متبعون لها ، بل كان من شريعته تعظيم يوم الجمعة ، ولذا اختاره الله للأمة المحمدية ، لأنه يوم تمام النعمة ، ويوم المزيد في الجنة.
قوله : (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي خالفوا ربهم ، حيث أمرهم على لسان نبيهم ، أن يعظموا يوم الجمعة بالتفرغ للعبادة فيه ، فأبوا واختاروا السبت ، فشدد عليهم بتحريم الاصطياد فيه عليهم ، وليس المراد بالاختلاف أن بعضهم رضي به والبعض لم يرض ، بل المراد امتناع الجميع. قوله : (واختاروا السبت) أي وقالوا لأنه تعالى فرغ فيه من خلق السماوات والأرض وما فيهما ، فنحن نوافق ربنا في ترك الأعمال يوم السبت ، واختارت النصارى يوم الأحد ، وقالوا لأنه مبدأ الخلق ، فنجعله عيدا لنا. قوله : (من أمره) أي السبت. قوله : (بأن يثيب الطائع) أي وهو من لم يصطد به ويعظمه. قوله : (ويعذب العاصي) أي وهو من صنع الحيلة ، واصطاد فيه ، فعذبوا في الدنيا بمسخهم قردة وخنازير ، وفي الآخرة بالعذاب الدائم.
قوله : (ادْعُ) فعل أمر ، وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله محذوف قدره المفسر بقوله : (الناس) وفي هذه إشارة إلى أن بعثته عامة ، وعبر بالناس وإن كان داعيا للجن أيضا ، باعتبار ما ظهر لنا فقط. قوله : (دينه) سمي الدين سبيلا ، لأنه الموصل لدار السعادة الأبدية ، والسعادة السرمدية. قوله : (بالقرآن) أي وسمي حكمة ، لأنها العلم النافع.