(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) عن الانتقام (لَهُوَ) أي الصبر (خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦) فكف صلىاللهعليهوسلم وكفر عن يمينه ، رواه البزار (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) بتوفيقه (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي الكفار إن لم يؤمنوا لحرصك على إيمانهم (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (١٢٧) أي لا تهتم بمكرهم فأنا ناصرك عليهم (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والمعاصي (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١٢٨) بالطاعة والصبر بالعون والنصر.
____________________________________
فيها نهي عن القتال ، بل المراد ادعهم وجادلهم برفق في أول الأمر ، فإن امتثلوا فواضح ، وإلا فشيء آخر. قوله : (ونزل) أي بالمدينة. قوله : (لما قتل حمزة) أي في السنة الثانية في أحد ، وحمزة عم رسول الله وأخوه من الرضاع ، وقريبه من الأم أيضا ، وكان أسن من النبي صلىاللهعليهوسلم بسنتين. قوله : (ومثل به) أي مثل به المشركون ، فقطعوا أنفه وأذنيه ، وذكره وأنثييه وفجروا بطنه. قوله : (وقد رآه) الجملة حالية. قوله : (والله لأمثلن) الخ في كلام المفسر اختصار للحديث ، ولفظه «أما والله لئن ظفرني الله بهم لأمثلن» الخ. قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) أي أردتم المعاقبة. قوله : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) أي عفوتم وتركتم القصاص. قوله : (لَهُوَ) بضم الهاء وسكونها ، قراءتان سبعيتان. قوله : (فكف) أي عن التمثيل بهم. قوله : (وَاصْبِرْ) الخطاب للنبي ، والمراد به العموم ، تعليما للأمة حسن الأدب. قوله : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) أي بإقداره لك عليه لا بنفسك ، فإن الصبر كالحب والبغض قائم بالقلب ، والقلب بيد الله يقلبه كيف يشاء ، فمن خلق الله فيه الصبر صبر ، ومن لا فلا ، فليس للعبد مدخل فيه. قوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي لا تتأسف على إعراضهم عن الهدى. قوله : (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) بفتح الضاد وكسرها ، قراءتان سبعيتان ، أي لا يكن فيك ضيق ، فالكلام على القلب ، وإنما أتى به مقلوبا ، إشارة إلى أن الضيق إذا اشتد ، كان كالشيء المحيط ، وأتى هنا بحذف نون تك ، وفي النمل بإثباتها تفننا ، لأن حذفها للتخفيف ، وهو حذف غير لازم ، قال ابن مالك :
ومن مضارع لكان منجزم |
|
تحذف نون وهو حذف ما التزم |
لأن أصل يك يكون ، دخل الجازم فسكن النون فالتقى ساكنان ، حذفت الواو لالتقائهما ، حذفت النون تخفيفا. قوله : (أي لا تهتم بمكرهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية ، تسبك مع ما بعدها بمصدر. قوله : (بالعون والنصر) أشار بذلك إلى أن المعية مع المتقين ، والمحسنين معية معنوية خاصة ، وهذا لا ينافي قوله تعالى (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) لأن المعية خاصة وعامة ، فالعامة بالتصريف والتدبير لكل مخلوق ، والخاصة بالإعانة والنصر والرضا ، للمتقين والمحسنين ، أحياء وأمواتا ، فرضا الله على المتقين والمحسنين دائم مستمر لا ينقطع ، فإذا كان كذلك ، فينبغي زيارة الصالحين وخدمتهم ، لكونهم في حضرة الرضا أحياء وأمواتا ، لا ينقطع عنهم مدد ربهم ؛ وقوله في الحديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، علم ينتفع به» الخ ، المراد ثواب أعمالهم المتجدد ، فلا يتجدد لهم ثواب عمل ، وأما ما ثبت لهم في نظير العمل السابق ، فهو دائم مستمر ، وإنما يتجدد لهم ثواب علم خلفوه ، أو ولد صالح ، إلى آخر ما في الحديث. ومن هنا زيارة الصالح الحي ، أفضل من زيارة الصالح الميت ، لأن الحي أعماله كلها مستمرة الصعود ما دام حيا ، ويتجدد له ثوابها ، ولذلك تضن روح المؤمن الصالح بالحياة ، فلا تحب الموت ، لأن فيه عزلها عن خدمة ربها ، التي هي أشرف الأشياء وأفضلها.