وهو يوم القيامة (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) جزاء (ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١) شيئا (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) ويبدل منه (قَرْيَةً) هي مكة والمراد أهلها (كانَتْ آمِنَةً) من الغارات لا تهاج (مُطْمَئِنَّةً) لا يحتاج إلى الانتقال عنها لضيق أخوف (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً) واسعا (مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) بتكذيب النبي صلىاللهعليهوسلم (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) فقحطوا سبع سنين (وَالْخَوْفِ)
____________________________________
رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها ، فجاء هذا الروح كشعاع النور ، فيه نطق لساني ، وبه أبصرت عيناي ، وبه مشت رجلاي ، فيضرب الله لهم مثلا ، أعمى ومقعدا دخلا حائطا أي بستانا فيه ثمار ، فالأعمى لا يبصر الثمر ، والمقعد لا يتناوله. فحمل الأعمى المقعد فأصابا الثمر ، فعلى من يكون العذاب؟؟ قالا : عليهما ، قال : عليكما جميعا العذاب. إذا علمت ذلك ، تعلم أن هذا الوعيد خاص بالكافر ، وأما المؤمن فهو في أمن وأمان ، لا يحزنه الفزع الأكبر ، وإن كان يحصل له الخوف من جلال الله وهيبته ، لأن الله تعالى سبحانه وتعالى في ذلك اليوم ، يتجلى بالجلال على عباده ، فيخاف المسلمون والمشركون ، فالمشركون يخافون من العذاب اللاحق لهم ، والمسلمون يخافون من هيبته تعالى ، وإن كانوا مطمئنين بالإيمان. قوله : (لا يهمها غيرها) أي لشغلها بهمها. قوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (شيئا) أي لا يعذبون من غير ذنب ، أو المراد لا ينقصون من أجورهم شيئا ، والأول أولى ، لأن نفي النقص من الأجر علم من قوله : (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ).
قوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) المثل تشبيه قول بقول آخر بينهما مشابهة ، ليتبين أحدهما ويظهر. قوله : (هي مكة) هذا هو المشهور بين المفسرين وهو الصحيح ، وعليه فالآية مدنية ، لأن الله تعالى وصف القرية بصفات ست ، كانت هذه الصفات في أهل مكة ، حين كان النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، وعلى القول بأنها مكية ، يكون إخبارا بالغيب ، تنزيلا لما سيقع منزلة الواقع لتحقق الحصول. قوله : (رَغَداً) بفتح الراء والغين المعجمة ، يقال رغد العيش بالضم رغادة اتسع. قوله : (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي من كل جهة من البر والبحر. قوله : (بِأَنْعُمِ اللهِ) جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء ، كدرع وأدرع ، أو جمع نعماء ، كأبؤس وبأساء. قوله : (بتكذيب النبي) الباء سببية.
قوله : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) أي وذلك أن الله ابتلاهم بالجوع سبع سنين ، فقطع عنهم المطر ، وقطعت العرب عنهم الميرة ، حتى جهدوا ، فأكلوا العظام المحرقة والجيف والكلاب والميتة ، وشربوا الدماء ، واشتد بهم الأمر ، حتى كان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان ، ثم إن رؤساء مكة ، كلموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك فقالوا له : ما هذا دأبك ، عاديت الرجال ، فما بال النساء والصبيان ، فأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم للناس في حمل الطعام إليهم ، وفي رواية أنهم أرسلوا إليه أبا سفيان بن حرب في جماعة ، فقدموا عليه المدينة ، وقال له أبو سفيان : يا محمد إنك جئت تأمر بصلة الرحم والعفو ، وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم ، فدعا لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأذن للناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون ، واعلم أن العلماء ذكروا في هذه الآية ثلاث استعارات : الأولى تصريحية أصلية في الجوع والخوف ، من حيث إضافة اللباس إليهما ، وتقريرهما أن يقال : شبه ما غشيهم من اصفرار اللون ونحولة البدن وسوء الحال باللباس بجامع الظهور في كل ، واستعير اسم المشبه به للمشبه. الثانية مكنية ،