عَظِيمٌ) (١٠٦) (ذلِكَ) الوعيد لهم (بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا) اختاروها (عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١٠٧) (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١٠٨) عما يراد بهم (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٠٩) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) إلى المدينة (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) عذبوا وتلفظوا بالكفر وفي قراءة بالبناء للفاعل أي كفروا أو فتنوا الناس عن الإيمان (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) على الطاعة (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي الفتنة (لَغَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) (١١٠) بهم إن الأولى دل عليه خبر الثانية اذكر (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ) تحاج (عَنْ نَفْسِها) لا يهمها غيرها
____________________________________
(فَعَلَيْهِمْ) جمع مراعاة لمعنى (مَنْ). قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ) أي حاصل وثابت بسبب أنهم الخ ، فاسم الإشارة مبتدأ ، والجار والمجرور في محل رفع خبره. قوله : (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي لا يوصلهم إلى الإيمان ، ولا يعصمهم من الزيغ.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) الخ ، أي جعل عليها غلافا معنويا ، بحيث لا تذعن للحق ، ولا تسمعه ولا تبصره. قوله : (الْخاسِرُونَ) أي لأنهم ضيعوا أعمارهم في غير منفعة تعود عليهم ، والموجب لخسرانهم ، أن الله تعالى وصفهم بست صفات تقدمت : الغضب ، والعذاب العظيم ، واختيار الدنيا على الآخرة ، وحرمانهم من الهدى ، والطبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وجعلهم من الغافلين.
قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ) نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة ، وكان أخا أبي جهل من الرضاعة ، وقيل من أمه ، وفي أبي جندل بن سهل بن عمرو ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعبد الله بن أسد الثقفي ، فتنهم المشركون وعذبوهم ، فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ، ثم هاجروا وجاهدوا. قوله : (لِلَّذِينَ هاجَرُوا) متعلق بمحذوف هو خبر إن ، أي لغفور رحيم للذين هاجروا ، وهذا معنى قوله الآتي ، وخبر (إِنَ) الأولى الخ. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا ، وعليها فيحتمل أن الفعل لازم ، فيكون معنى قوله : (فُتِنُوا) ، افتتنوا بمعنى قامت بهم الفتنة ، وقد أشار له المفسر بقوله : (أي كفروا) أو متعد كما قال : (أو فتنوا الناس عن الإيمان).
قوله : (يَوْمَ تَأْتِي يَوْمَ) ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله (اذكر) ، والأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أي اذكر يا محمد لقومك ، أهوال الآخرة وما يقع فيها ، لعلهم يعتبرون. قوله : (تحاج) أي تخاصم وتسعى في خلاصها. قوله : (عَنْ نَفْسِها) إن قلت : إن ظاهر الآية مشكل ، لأنه يقتضي أن النفس لها نفس وليس كذلك. أجيب : بأن المراد بالنفس الأولى ، الإنسان المركب من جسم وروح وحقيقة ، والمراد بالنفس الثانية ، الذات المركبة من جسم وروح غير ملاحظ فيها الحقيقة فاختلفا بالاعتبار ، فكأنه قال : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته ولا يهمه غيره ، والمراد بالمجادلة الاعتذار بما لا يقبل منهم ، كقولهم : والله ربنا ما كنا مشركين ، روي عن ابن عباس أنه قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة ، حتى يخاصم الروح الجسد ، فيقول الروح : يا رب لم يكن لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها ، فضعف عليه العذاب ، فيقول الجسد : يا رب أنت خلقتني كالخشبة ، ليس لي يد أبطش بها ، ولا